للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الحسد، فقد حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله منحه النبوة وهو رجل عربي ليس منهم، وحسدوا أتباعه لأنهم آمنوا به وصدقوه والتفوا من حوله يؤازرونه ويفتدونه بأرواحهم وأموالهم.

وقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً توبيخ لهم على حسدهم، وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم.

والمعنى: إنكم بحسدكم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله، تكونون قد ضللتم وسرتم في طريق الشيطان، لأنكم لو كنتم عقلاء لما فعلتم ذلك، إذ أنتم تعلمون علم اليقين أن الله- تعالى- قد أعطى آلَ إِبْراهِيمَ أى: قرابته القريبة من ذريته كإسماعيل- وهو جد العرب- وإسحاق ويعقوب وغيرهم.. أعطاهم الْكِتابَ أى: جنس الكتب السماوية فيشمل ذلك التوراة والإنجيل والزبور وغيرها. وأعطاهم الْحِكْمَةَ أى العلم النافع مع العمل به.

وأعطاهم مُلْكاً عَظِيماً أى سلطانا واسعا وبسطة في الأرض.

ومع ذلك فأنتم لم تحسدوا هؤلاء على ما أعطاهم الله من كتاب وحكمة وملك عظيم، فلماذا تحسدون محمدا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله مع أنه من نسل إبراهيم- عليه السلام-؟.

فالجملة الكريمة توبيخ لهم على أنانيتهم وحسدهم، وإلزام لهم بما يعرفونه من واقع كتبهم، وكشف للناس عن أن أحقادهم مرجعها إلى انطماس بصيرتهم، وخبث نفوسهم.

ثم بين- سبحانه- عاقبة كل من المحسن والمسيء فقال: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً.

أى: فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن وصدق بما أعطاه الله لآل إبراهيم من كتاب وحكمه، ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. فالضمير في بِهِ وعَنْهُ يعود إلى ما أوتى آل إبراهيم.

ويرى بعضهم أن الضمير يعود إلى إبراهيم- عليه السلام. فيكون المعنى:

فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من أعرض عنه ولم يتبع تعاليمه.

وفي هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من اليهود من أذى.

فكأنه- سبحانه- يقول له: إن هؤلاء الحاسدين لك قد اختلفوا على من هم منهم، وأنت يا محمد لست منهم، فكيف تنتظر منهم أن يسالموك أو يتبعوك؟

وقوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً بيان لما أعده- سبحانه- للكافرين من عذاب.

أى: وكفى بجهنم نارا مسعرة أى: موقدة إيقادا شديدا يعذبون بها على كفرهم وعنادهم وصدودهم عن الحق. يقال: سعر النار- كمنع- وسعرها وأسعرها أى: أوقدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>