روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ.. إلخ روايات متقاربة في معناها ومن ذلك ما أخرجه الثعلبي وابن أبى حاتم من طرق عن ابن عباس أن رجلا من المنافقين يقال له بشر خاصم يهوديا، فدعاه اليهودي إلى التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى التحاكم إلى كعب بن الأشرف: ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي، فلم يرض المنافق. وقال: تعالى نتحاكم إلى عمر بن الخطاب.
فقال اليهودي لعمر: قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه. فقال عمر للمنافق:
أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما. فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد- أى مات-. ثم قال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله- تعالى- وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت» «١» .
والاستفهام في قوله أَلَمْ تَرَ للتعجيب من حال أولئك المنافقين، وإنكار ما هم عليه من خلق ذميم وإعراض عن حكم الله ورسوله إلى حكم غيرهما.
وقوله يَزْعُمُونَ من الزعم ويستعمل غالبا في القول الذي لا تحقق معه، كما يستعمل- أيضا- في الكذب ومنه قوله- تعالى-: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ أى بكذبهم.
وقد يطلق الزعم على القول الحق.
قال الآلوسى: وقد أكثر سيبويه في «الكتاب» من قوله: زعم الخليل كذا- في أشياء يرتضيها.
والمراد بالزعم هنا الكذب لأن الآية الكريمة في المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون.
والمعنى: ألم ينته علمك يا محمد إلى حال هؤلاء المنافقين الذين يزعمون كذبا وزورا أنهم