للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أيضا إساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره. فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم.

الثاني: أن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول، ظهر منهم ذلك التمرد. فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعلوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد، وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه الاستغفار.

الثالث: لعلهم إذا أتوا بالتوبة أتوا بها على وجه الخلل، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صارت مستحقة للقبول.

ثم قال: وإنما قال- سبحانه- وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ. ولم يقل واستغفرت لهم: إجلالا للرسول صلى الله عليه وسلم. وأنهم إذا جاءوا من خصه الله برسالته، وأكرمه بوحيه، وجعله سفيرا بينه وبين خلقه، ومن كان كذلك فإن الله لا يرد شفاعته، فكانت الفائدة في العدول عن لفظ الخطاب إلى لفظ المغايبة «١» .

فالآية الكريمة قد فتحت باب التوبة أمام العصاة والمذنبين، وسمت بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه سموا عظيما.

ورحم الله ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ. الآية. يرشد- تعالى- العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال: لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.

وقد جاء عن الإمام العتبى أنه قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابى فقال:

السلام عليك يا رسول الله!! سمعت الله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ.

الآية: وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك عند ربي. ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قال العتبى: ثم انصرف الأعرابى، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال «يا عتبى الحق الأعرابى فبشره أن الله قد غفر له» «٢» .

ثم بين- سبحانه- أن كل من يدعى الإيمان لا يكون إيمانه صادقا إلا إذا تقبل حكم


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥١٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>