للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقترافها الذنوب. وهذا لا ينافي أن خلقها من الله- كما سبق) «١» .

وقال بعض العلماء: والتوفيق بين قوله- تعالى- ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ وبين قوله قبل ذلك: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هو أن قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كان موضوعه الكلام في تقدير الله. فهم إن انتصر المؤمنون لا ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم أى فضل، بل يجردونه من الفضل ويقولون هو من عند الله. وما قصدوا التفويض والإيمان بالقدر، بل قصدوا الغض من مقام النبوة. فإن كان هناك خير نسبوه إلى الله وإن كان ما يسوء نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء وتمردا.

فالله تعالى- قال لهم: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أى كل ذلك بتقدير الله وإرادته.

أما قوله وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فموضوعه اتخاذ الأسباب. ومعناه: أن من أخذ بالأسباب وتوكل على الله فالله- تعالى- يعطيه النتائج ومن لا يتخذ الأسباب، أو يخالف المنهاج السليم الموصل إلى الثمرة، فإنه سيناله ما يسوؤه، وبسبب منه.

فالأول: لبيان القدر.

والثاني: لبيان العمل «٢» .

هذا، وقوله- تعالى- وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بيان لجلال منصبه وعلو مكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه- عز وجل- بعد بيان بطلان زعمهم الباطل في حقه عليه الصلاة والسلام.

أى: وأرسلناك- يا محمد- بأمرنا وبشريعتنا لتبلغ الناس ما أمرناك بتبليغه، ولتخرجهم من ظلمات الجهالة والكفر إلى نور التوحيد والإيمان وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على صحة رسالتك، وعلى صدقك فيما تبلغه عنه، وإذا ثبت ذلك فالخير في طاعتك والشر والشؤم في مخالفتك.

والمراد بالناس جميعهم. أى: وأرسلناك لجميع الناس كما قال- تعالى- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

وقوله رَسُولًا حال مؤكدة لعاملها وهو أرسلناك.

وقوله وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً تثبيت وتقوية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم أى: امض في طريقك ولا تلتفت إلى أقوالهم، وكفى بالله عليك وعليهم شهيدا، فإنه- سبحانه- لا يخفى عليه أمرك وأمرهم.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٠٣.
(٢) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة بمجلة لواء الإسلام العدد ١ السنة الخامسة عشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>