للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمراد بالاختلاف: تباين النظم، وتناقض الحقائق، وتعارض الأخبار وتضارب المعاني، وغير ذلك مما خلا منه القرآن الكريم لأنه يتنافى مع بلاغته وصدقه.

وفي ذلك يقول صاحب الكشاف: قوله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً أى: لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه، فكان بعضه بالغا حد الإعجاز. وبعضه قاصرا عنه تمكن معارضته، وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم.

فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائقة لقوى البلغاء، وتناصر معان، وصدق أخبار، دل على أنه ليس إلا من عند قادر على ما لم يقدر عليه غيره، عالم بما لا يعلمه أحد سواه» «١» .

فالآية الكريمة تدعو الناس في كل زمان ومكان إلى تدبر القرآن الكريم وتأمل أحكامه، والانقياد لما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات وأوامر ونواه، ليسعدوا في دنياهم وآخرتهم.

ثم حكى القرآن بعد ذلك مسلكا آخر من المسالك الذميمة التي عرفت عن المنافقين وضعفاء النفوس فقال- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ.

والمراد بالأمر هنا: الخبر الذي يكون له أثر إذا أشيع وأذيع.

وقوله أَذاعُوا بِهِ أى نشروه وأشاعوه. يقال: أذاع الخبر وأذاع به إذا أفشاه وأعلنه.

والمعنى: أن هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا شيئا من الأخبار التي تتعلق بأمن المسلمين أو خوفهم أذاعوها وأظهروها قبل أن يقفوا على حقيقتها.

قال الآلوسى: والكلام مسوق لبيان جناية أخرى من جنايات المنافقين، أو لبيان جناية الضعفاء أثر بيان جناية المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا غزت سرية من المسلمين قالوا عنها:

أصاب المسلمون من عدوهم كذا. وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم به. وقيل: كان الضعفاء يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنون غير معلوم الصحة فيذيعونه قبل أن يحققوه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين» «٢» .

ثم بين- سبحانه- ما كان يجب عليهم فعله فقال-: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

والمراد بأولى الأمر: كبار الصحابة البصراء بالأمور. وقيل المراد بهم: الولاة وأمراء السرايا.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٤٠
(٢) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>