للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثاني: أنهم طائفة من أولى الأمر. والتقدير: ولو أن المنافقين ردوا إلى الرسول وإلى أولى الأمر لكان علمه حاصلا عند من يستنبط هذه الوقائع من أولى الأمر، وذلك لأن أولى الأمر فريقان: بعضهم من يكون مستنبطا، وبعضهم من لا يكون كذلك. فقوله مِنْهُمْ يعنى لعلمه الذين يستنبطون المخفيات من طوائف أولى الأمر.

فإن قيل: إذا كان الذين أمرهم الله برد هذه الاخبار إلى الرسول وإلى المؤمنين هم المنافقون فكيف جعل أولى الأمر منهم في قوله وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؟ قلنا: إنما جعل أولى الأمر منهم على حسب الظاهر. لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون. ونظيره قوله- تعالى-:

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ «١» .

ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان فضله على عباده فقال وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.

أى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم- أيها المؤمنون- بتوفيقه إياكم إلى الخير والطاعة، لوقعتم في إغواء الشيطان كما وقع هؤلاء المنافقون وأشباههم، إلا عددا قليلا منكم وهم الذين أخلصوا دينهم لله واعتصموا به فصاروا لا سبيل للشيطان عليهم كما قال- تعالى- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.

هذا. ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب عدم إذاعة الأخبار- خصوصا في حالات الحرب- إلا بعد التأكد من صحتها ومن عدم إضرارها بمصلحة المسلمين.

وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة. وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» .

وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال. أى: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين.

وفي الصحيح «من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» .

وفي سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس مطية الرجل زعموا» «٢» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ١٩٩
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>