للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدى بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله- جل ثناؤه- إلى موسى. لا تَحْزَنَ أما من قتل فحى عندي يرزق، وأما من بقي، فقد قبلت توبته، فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل» «١» .

وجملة ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ تعليلية، جيء بها لتحريضهم على الامتثال والطاعة لما أمرهم به نبيهم- عليه السلام- واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى التوبة والقتل المفهومين مما تقدم.

وقال عِنْدَ بارِئِكُمْ ولم يقل عنده، لأن في هذا التكرير حملا للمخاطبين على التفكير والتذكير والطاعة، وإشعارا لهم بأن عبادة من برأهم وذرأهم وخلقهم في أحسن تقويم، خير لهم في دنياهم وأخراهم.

وجملة فَتابَ عَلَيْكُمْ جواب لشرط محذوف للإيجار، أى فامتثلتم ما أمرتم به، فقيل الباري توبتكم، وهي خطاب من الله- تعالى- لبنى إسرائيل على لسان موسى، فيه تذكير بنعمته، وإرشاد لهم إلى موطن المنة والفضل وهو قبول توبتهم.

وعطفت هذه الجملة فَتابَ عَلَيْكُمْ بالفاء، لإشعارهم بأنه- سبحانه- لم يتركهم ليستأصلوا أنفسهم جميعا بالقتل، بل تداركهم بلطفه ورحمته، فقبل توبتهم، ورفع عقوبة القتل عمن بقي منهم.

وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ إخبار وثناء على الله- تعالى- بما هو أهله من عفو ورحمة. وأكدها- سبحانه- لتنزيلهم منزلة من يشك في قبول توبته، لعظم جريمتهم وضخامة خطيئتهم وسيرهم إلى أمد بعيد في طريق الشيطان.

وهذه الآية الكريمة قد تضمنت نعمة كبرى على بنى إسرائيل فإن الله- تعالى- لطف بهم، ورحمهم، وقبل توبتهم، وعفا عن قتلهم أنفسهم، بعد أن صدر منهم ما يدل على صدقهم في توبتهم، كما تضمنت- أيضا- تذكير بنى إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بنعم الله عليهم، لأنه لولا عفوه- سبحانه- عن آبائهم لما وجدوا هم، وفيها- كذلك- إشارة إلى سماحة الشريعة التي أتى بها محمد صلّى الله عليه وسلم وإغراء لليهود المعاصرين له بالدخول في الإسلام لأنه إذا كان آباؤهم لم تقبل توبتهم إلا بقتلهم أنفسهم فإن شريعة الإسلام تقول لهم: لقد جاءكم النبي الذي رفع عنكم إصركم والأغلال التي كانت على أسلافكم، فآمنوا به واتبعوه لعلكم ترحمون.


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٢٨٦ طبعة الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>