للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزوة الأحزاب حيث ألقى الله- تعالى- في قلوب الأحزاب الرعب فانصرفوا دون أن ينالوا خيرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ. فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين «١» .

ثم رغب- سبحانه المؤمنين في التوسط في الخير، وحذرهم من التوسط في الشر، فقال:

مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها والشفاعة: هي التوسط بالقول في وصول إنسان إلى منفعة دنيوية أو أخروية، أو إلى إنقاذه من مضرة. وهي مأخوذة من الشفع وهو الزوج في العدد ضد الوتر. فكأن المشفوع له كان وترا فجعله الشفيع شفعا.

والنصيب: الحظ من كل شيء. والكفل: الضعف والنصيب والحظ.

قال الجمل: واستعمال الكفل في الشر أكثر من استعمال النصيب فيه وإن كان كل منهما قد يستعمل في الخير كما قال- تعالى- يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ولقلة استعمال النصيب في الشر وكثرة استعمال الكفل فيه غاير بينهما في الآية الكريمة حيث أتى بالكفل مع السيئة وبالنصيب مع الحسنة» «٢» .

والمعنى: من يشفع شفاعة حسنة، أى يتوسط في أمر يترتب عليه خير يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها أى: يكن له ثواب هذه الشفاعة الحسنة. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً وهي ما كانت في غير طريق الخير يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها أى: يكن له نصيب من وزرها وإثمها، لأنه سعى في الفساد ولم يسع في الخير.

وإطلاق الشفاعة على السعى في الشر من باب المشاكلة، لأن الشفاعة لا تطلق إلا على الوساطة في الخير.

والآية الكريمة وإن كانت واردة على سبيل التعميم في بيان جزاء كل شفاعة حسنة أو كل شفاعة سيئة، إلا أن المقصود بها قصدا أوليا ترغيب المؤمنين في أن يعاون بعضهم بعضا على الجهاد في سبيل الله، وفي انضمام بعضهم إلى بعض من أجل نصرة الحق، وتهديد المنافقين الذين كان يشفع بعضهم لبعض لكي يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجهاد. وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال ما ملخصه:

يعنى- سبحانه- بقوله مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها من يصر يا محمد شفعا لوتر أصحابك، فيشفعهم في جهاد عدوهم


(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٢٩٤- بتصرف وتلخيص
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>