للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ جملة معترضة جيء بها لبيان أنهم غير مقصودين بعدم المساواة مع المجاهدين في الأجر.

والضرر: مصدر ضرر مثل مرض. وهذه الزنة تجيء- غالبا- في العاهات ونحوها، مثل عمى وحصر وعرج ورمد.

والمراد بقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ أى: غير أصحاب العلل والأمراض التي تحول بينهم وبين الجهاد في سبيل الله من عمى أو عرج أو ضعف أو غير ذلك من الأعذار.

وقد روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ روايات منها ما أخرجه البخاري عن البراء قال: لما نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته. فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «١» .

وقال القرطبي: روى الأئمة- واللفظ لأبى داود عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سرى عنه فقال: «اكتب» فكتبت في كتف- أى في عظم عريض كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية.

فقام ابن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله السكينة فوقعت فخذه على فخذي. ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد. فقرأت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ الآية كلها.

قال زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها. والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف «٢» .

والمعنى: لا يستوي عند الله- تعالى- الذين قعدوا عن الجهاد لإعلاء كلمة الحق دون أن يكون عندهم من الأعذار ما يمنعهم من ذلك، لا يستوي هؤلاء مع الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. أما الذين قعدوا عن الجهاد لأعذار تمنعهم عن مباشرته، فإن نيتهم الصادقة


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٤٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>