للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نفقة معهم توصلهم مبتغاهم وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أى: ولا يعرفون الطريق التي توصلهم إلى دار هجرتهم.

قال القرطبي: والحيلة: لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل: سبيل المدينة. فيما ذكر مجاهد والسدى وغيرهما. والصواب أنه عام في جميع السبل.

والاستثناء في قوله إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ منقطع- على الصحيح- لأن هؤلاء الذين قعدوا عن الهجرة لعجزهم، خارجون من أولئك الذين ظلموا أنفسهم بقعودهم عن الهجرة مع قدرتهم على ذلك.

وفي ذكر الولدان مبالغة في أمر الهجرة حتى لكأنها لو استطاعها غير المكلفين لقاموا بها، وإشعار بأن على أوليائهم أن يهاجروا بهم معهم متى تمكنوا من ذلك.

وقوله فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ. بيان لحكم هؤلاء المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

أى: أن هؤلاء الذين قعدوا عن الهجرة لأعذار حالت بينهم وبينها «عسى الله أن يعفو عنهم» أى: يتجاوز عنهم بفضله ورحمته بسبب عدم استطاعتهم للهجرة.

قال الجمل: وعسى ولعل في كلام الله واجبتان، وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين، لأن المخلوق هو الذي تعرض له الشكوك والظنون. والباري منزه عن ذلك، وإذا أطمع- سبحانه- عبده وصله «١» .

وقال الآلوسى: وفي قوله عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ إيذان بأن ترك الهجرة أمر خطير حتى ان المضطر الذي تحقق عدم وجوبها عليه ينبغي له أن يعد تركها ذنبا، ولا يأمن. ويترصد الفرصة ويعلق قلبه بها» «٢» .

وقوله وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً تذييل مقرر لما قبله بأتم وجه أى وكان الله- تعالى-.

وما زال كثير العفو عن عباده فيما يقعون فيه من تقصير، كثير المغفرة لمن تاب إليه وأناب.

ثم رغب- سبحانه- في الهجرة من أجل إعلاء دينه بأسمى ألوان الترغيب فقال: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.

وقوله: مُراغَماً اسم مكان أى يجد في الأرض متحولا ومهاجرا.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤١٨
(٢) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ١٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>