وهذه الكيفية لصلاة الخوف التي أخذ بها الإمام أبو حنيفة قد وردت في روايات عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(ب) أما الإمام مالك فيرى أن كيفية صلاة الخوف تكون كالآتى: أن يقسم الإمام الناس إلى طائفتين: طائفة تكون معه وطائفة تكون بإزاء العدو. ثم يصلى بالطائفة التي معه ركعة ولا يسلم وتتم هي الركعة الثانية وحدها ثم تتشهد وتسلم وتذهب إلى مكان الطائفة الثانية، وتأتى الطائفة الثانية فتقف خلف الإمام فيصلى معها الركعة الثانية ثم يجلسون للتشهد ويسلم الإمام وحده أما هم فيقومون فيصلون وحدهم الركعة التي بقيت ثم يتشهدون ويسلمون.
وقريب من هذه الكيفية ما ذهب إليه الإمام الشافعى فهو يوافق المالكية فيما ذهبوا إليه إلا أنه قال: لا يسلم الإمام حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها ثم يسلم معهم.
ويذهب الإمام أحمد بن حنبل في كيفية صلاة الخوف إلى ما ذهب إليه الإمام مالك.
وفي رواية عنه أنه يوافق ما ذهب إليه الشافعية.
وهذا كله فيما إذا كانت الصلاة ثنائية في الأصل كالفجر أو رباعية فإنها تقصر إلى ثنائية.
أما إذا كانت صلاة الخوف في المغرب فيرى جمهور الفقهاء أن الإمام يصلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة ثم تتم كل طائفة ما بقي عليها بالطريقة التي سبق ذكرها عند الأئمة، والتي بسطها العلماء في كتب الفقه.
٤- ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية أهمية صلاة الجماعة، لأن الله- تعالى- أمر المسلمين بأن يؤدوا الصلاة في جماعة حتى وهم في حالة الاستعداد للقاء أعدائهم.
قال ابن كثير: ما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة.
حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة. فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك.
٥- كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية أن الإسلام دين يأمر أتباعه بأداء الصلاة حتى ولو كانوا في ساحة المعركة، وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، ومتى حسنت هذه الصلة بين المجاهد وخالقه، فإنه- سبحانه- يكلؤه بعين رعايته، ويمده بنصره وتأييده.
وأن الإسلام بجانب هذا الاهتمام الشديد بشأن الصلاة فإنه يهتم أيضا بأن يأمر أتباعه بالحذر من مكر أعدائهم ومن مباغتتهم لهم، بأن يكون المؤمنون مستعدين لصدهم وردهم على أعقابهم، وأن لا يغفلوا عن حمل أسلحتهم حتى ولو كانوا قائمين للصلاة.
وبهذا نرى أن الإسلام يربى أتباعه تربية روحية وعقلية وبدنية من شأنها أن توصلهم- متى حافظوا عليها- إلى ما يعلى كلمتهم في الدنيا، ويرفع درجاتهم في الآخرة.