للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رزقكم هذه النعم، ولكنكم كفرتم بها، فظلمتم أنفسكم دون أن ينالنا من ذلك شيء، لأن الخلق جميعا لن يبلغوا ضرى فيضرونى ولن يبلغوا نفعي فينفعونى.

فالآية الكريمة قد أشارت إلى جحودهم النعمة بقوله تعالى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

وقوله تعالى: وَما ظَلَمُونا معطوف على محذوف، أى فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر.

ويرى البعض أنه لا حاجة إلى التقدير، وأن جملة وَما ظَلَمُونا معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها في أنها من أحوال بنى إسرائيل.

والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة كانُوا والفعل المضارع يَظْلِمُونَ يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم، لأنك لا تقول في ذم إنسان كان يسيء إلى الناس إلا إذا كانت الإساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى.

قال الإمام ابن جرير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ما ملخصه: (هذا من الذي استغنى بدلالة ظاهره على ما ترك منه، وذلك أن معنى الكلام: كلوا من طيبات ما رزقناكم فخالفوا ما أمرناهم به، وعصوا ربهم، ثم رسولنا إليهم، وما ظلمونا فاكتفى بما ظهر عما ترك، وقوله وَما ظَلَمُونا أى: ما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها فإن الله- تعالى- لا تضره معصية عاص، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم، ولا تنفعه طاعة مطيع، ولا يزيد في ملكه عدل عادل، بل نفسه يظلم الظالم وحظّها يبخس العاصي، وإياها ينفع المطيع، وحظها يصيب العادل) «١» .

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ذكرت بنى إسرائيل بنعمة من أعظم النعم وهي تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم، ولكن بنى إسرائيل لم يشكروا الله على نعمه، ولذا أرسل الله عليهم رجزا من السماء بسبب ظلمهم وفسقهم.

تاسعا: نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك.

ثم ذكرهم- سبحانه- بعد ذلك بمنة عظيمة مكنوا منها فما أحسنوا قبولها وما رعوها حق رعايتها- وهي تخليصهم من عناء التيه، والإذن لهم في دخول بلدة يجدون فيها الراحة والهناء، وإرشادهم إلى القول الذي يخلصهم مما استوجبوه من عقوبات ولكنهم خالفوه فقال تعالى:


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٩٧، ٣٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>