للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترغيب في هذا الفعل الحسن، لأن الأمر بالخير إذا دخل في زمرة الخيرين كان الفاعل أحرى بالدخول في زمرتهم.

وفي تقييد الفعل بكونه ابتغاء مرضاة الله، تحريض على إخلاص النية، لأن الأعمال بالنيات، وإذا صاحب الرياء الأعمال أبطلها ومحق بركتها.

والتعبير بسوف هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل. أى. فسوف نؤتيه أجرا لا يحيط به نطاق الوصف، ولن نبخسه شيئا من حقه حتى ولو كان هذا الشيء بالغا النهاية في الصغر.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الذين يسيرون في طريق الباطل، ويتركون طريق الحق فقال- تعالى-: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.

وقوله يُشاقِقِ من المشاقة بمعنى المعاداة والمخالفة المقصودة. وهي من الشق لأن المخالف كأنه يختار شقا يكون فيه غير شق الآخر.

فقوله وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ أى: من يخالفه ويعاديه.

وقوله مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى أى يخالفه ويعاديه من بعد ما اتضح له الحق، وقام لديه الدليل على صحة دين الإسلام.

وقوله وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على يشاقق. أى: ويتبع طريقا غير طريق الإسلام التي سار فيها المؤمنون، واعتقدوا صحتها وسلامتها من كل سوء. من يفعل ذلك.

نوله ما تولى، أى نجعله- كما يقول الآلوسى واليا لما تولاه من الضلال. أو نخل بينه وبين ما اختار لنفسه من الضلال في الدنيا. أو نكله في الآخرة إلى ما اتكل عليه في الدنيا وانتصر به من الأوثان وغيرها.

قال صاحب المنار: والذي أريد توجيه الأذهان إلى فهمه هو أن هذه الجملة مبينة لسنة الله- تعالى- في عمل الإنسان. ومقدار ما أعطيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار. فالوجهة التي يتولاها في حياته، والغاية التي يقصدها من عمله، يوليه الله إياها ويوجهه إليها. أى:

يكون بحسب سنته- تعالى- واليا لها وسائرا على طريقها. فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك ما اختار لنفسه. ولو شاء- سبحانه- لهدى الناس أجمعين بخلقهم على حالة واحدة في الطاعة كالملائكة، ولكنه شاء أن يخلقهم على ما نراهم عليه الآن من تفاوت في الاستعداد والإدراك وعمل كل فرد بحسب ما يرى أنه خير له وأنفع في عاجله أو آجله أو فيهما جميعا «١» ...


(١) تفسير المنار ج ٥ ص ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>