وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال: خشيت سودة بنت زمعة إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله. لا تطلقني واجعل يومى لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية. «١»
وأخرج الشافعى عن سعيد بن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك. فاصطلحا على صلح فجرت السنة بذلك ونزل القرآن.
وروى عن عائشة أنها قالت: نزلت في المرأة تكون عند الرجل ويريد الرجل أن يستبدل بها غيرها فتقول له: أمسكنى وتزوج بغيري وأنت في حل من النفقة والقسم.
وقوله: وَإِنِ امْرَأَةٌ فاعل لفعل واجب الإضمار. أى: وإن خافت امرأة خافت.
وقوله: مِنْ بَعْلِها متعلق بخافت، وقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما جواب الشرط.
والمعنى: وإن خافت امرأة من زوجها (نشوزا) أى تجافيا عنها، وترفعا عن صحبتها أَوْ إِعْراضاً أى: انصرافا عن محادثتها ومؤانستها على خلاف ما عهدته منه قبل ذلك، ففي هذه الأحوال فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أى: لا حرج ولا إثم على الزوجة وزوجها في أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً يتفقان عليه فيما بينهما رعاية لرابطة الزوجية وإبقاء على دوامها، وذلك بأن تترك المرأة بعض حقوقها حتى تسترضى زوجها وتعمل على إزالة ما في نفسه من استعلاء وانصراف عنها.
وقوله صُلْحاً مفعول مطلق مؤكد لعامله. أو مفعول به على تأويل يصلحا بيوقعا صلحا.
وبَيْنَهُما حال من صُلْحاً لأنه كان نعتا له ونعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالا، وفيه إشارة إلى أن الأولى لهما أن لا يطلعا الناس على ذلك. بل يكون ما يتفقان عليه سرا بينهما.
وقد عبر- سبحانه- عن طلب الصلح بقوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ترفقا في الإيجاب، ونفيا لما يتوهم من أن تنازل أحدهما للآخر عن بعض حقه يؤدى إلى الإثم، لأن الصلح بينهما يقتضى أن يتسامح أحد الزوجين في جزء من حقه ليظفر بخير أكثر مما تسامح فيه. فإذا تركت المرأة بعض حقها لتدوم عشرتها مع زوجها بالمعروف فذلك لا إثم فيه بل إن فيه الخير.
وأكد- سبحانه- هذا الصلح بقوله صُلْحاً للإشارة إلى وجوب أن يكون الصلح بينهما حقيقيا لا شكليا، وأن يكون بحيث تتلاقى القلوب، وتصفو النفوس. وتشيع بينهما المودة والرحمة، ويرضى كل واحد منهما بما قسم الله له.
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ٦٥