فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءهن من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضرائرهن.
ثم قال. ويشهد لهذا ما روى في سبب نزول الآية من أنها نزلت في أمر رافع بن خديج وزوجته، إذ تزوج عليها شابة، فآثر الشابة عليها، فأبت الكبيرة أن تقر على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها. فلما قارب انقضاء عدتها، خيرها بين الفراق والرجعة والصبر على الأثرة.
فاختارت الرجعة والصبر على الأثرة فراجعها وآثر عليها. فلم تصبر. ففي ذلك دليل واضح على أن قوله- تعالى- وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ إنما عنى به: وأحضرت أنفس النساء الشح بحقوقهن من أزواجهن على ما وصفنا «١» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالأمر بخشيته ومراقبته، والسير في طريق الصلح والوفاق فقال: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.
أى: وإن تحسنوا- أيها الرجال- في أقوالكم وأفعالكم إلى نسائكم وتتقوا الله فيهن: بأن تتركوا التعالي عليهن والإعراض عنهن وتصبروا على مالا ترضونه منهن، من دمامة أو تقصير في واجباتهن. إن تفعلوا ذلك يرفع الله درجاتكم. ويجزل ثوابكم، لأنه- سبحانه- خبير بكل أحوالكم وأعمالكم، ولن يضيع- سبحانه- أجر من أحسن عملا.
فالجملة الكريمة خطاب للأزواج بطريق الالتفات. لقصد استمالتهم وترغيبهم في حسن معاملة نسائهم، وسلوك طريق الصلح معهن.
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: أن على الزوجين أن يحسنا العشرة الزوجية كل واحد منهما من جانبه، وأن يصبر كل واحد منهما على ما يكون من صاحبه من هفوات ومخالفات لا تخلو منها طبيعة الحياة الزوجية ...
وأن أحد الزوجين إذا تنازل عن بعض حقوقه للآخر بقصد الإبقاء على الحياة الزوجية جاز ذلك، فإذا رغب رجل- مثلا- في طلاق زوجته لسبب من الأسباب وكانت الزوجة تريد البقاء معه، وتنازلت المرأة عن بعض حقوقها في سبيل أن تبقى معه وتراضيا على ذلك عن طيب خاطر، بأن أعطته بعض المال- مثلا- فإن ما أخذه منها لا يعد مالا حراما في مثل هذه الحالة.
أما إذا تظاهر الرجل بالنشوز أو الإعراض لكي ينال شيئا من حقوقها أو تتنازل له عن بعضها، فإن ما يأخذه الرجل منها في مثل هذه الحالة يكون أكلا لحقوق غيره بالباطل، لأنه لم يكن راغبا حقيقة في الطلاق وإنما تصنع النشوز أو الإعراض اجتلابا لمالها، واستدرارا لخيرها. وقد نهى