للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما موضوع الآية التي في صدر السورة وهي قوله- تعالى- فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً فيتعلق بالعدل الظاهري الذي يقدر عليه الإنسان مثل التسوية في النفقة وغير ذلك مما يقدر عليه الإنسان.

ومع هذا، فالآية التي معنا لم تطالب الرجل بالعدالة المطلقة الكاملة بين زوجاته بأن يسوى بينهن في كل شيء، لأن العدل بهذا المعنى غير مستطاع للمكلف ولو حرص على إقامته وبالغ في ذلك. وإنما الآية الكريمة طالبته بالممكن منه فكأنها تقول: إنكم- أيها الرجال- لن تستطيعوا أن تعدلوا العدل المطلق الكامل بين زوجاتكم في القسم والنفقة والتعهد والنظر والمؤانسة والمحبة وغير ذلك مما لا يكاد يحصر وَلَوْ حَرَصْتُمْ على هذا العدل الكامل أتم الحرص لما استطعتموه، ولذلك لم يكلفكم الله به، إذ التكليف الشرعي إنما يكون بما في الوسع والطاقة، وإذا كان الأمر كذلك فاجتهدوا ما استطعتم في العدل بين زوجاتكم، ولا تميلوا كل الميل إلى واحدة منهن وتهملوا الأخرى إهمالا يجعلها كأنها لا هي ذات زوج ولا هي مطلقة.

فإن العجز عن العدل المطلق الكامل لا يمنع تكليفكم بما دون ذلك من المراتب التي تقدرون عليها قالوا: ما لا يدرك كله لا يترك كله.

وبهذا نرى أن الآيتين الكريمتين تدعوان المسلم إلى العدل بين زوجاته بالقدر الذي يستطيعه بدون تقصير أو جور، وأنهما بانضمام معناهما لا تمنعان تعدد الزوجات كما ادعى المدعون.

وبعد أن رغب- سبحانه- في الصلح بين الزوجين وحض عليه، وأمر الأزواج بالعدل بين الزوجات بالقدر الذي يستطيعونه، عقب ذلك ببيان أن التفرقة بينهما جائزة إذا لم يكن منها بد.

لأن التفرقة مع الإحسان خير من المعاشرة السيئة فقال- تعالى- وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً.

وإن عز الصلح بين الزوجين واختارا الفراق تخوفا من ترك حقوق الله التي أوجبها على كل واحد منهما يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا منهما مِنْ سَعَتِهِ أى يجعل كل واحد منهما مستغنيا عن الآخر وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً أى: وكان الله- تعالى- وما يزال واسعا أى واسع الغنى والرحمة والفضل حَكِيماً في جميع أفعاله وأحكامه.

وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وضعت أحكم الأسس للحياة الزوجية السليمة، وعالجت أمراضها بالعلاج الشافي الحكيم، فقد أمرت الرجال بأن يؤدوا للنساء حقوقهن، وأن يعاشروهن بالمعروف، وأن على الزوجين إذا ما دب بينهما خلاف أن يعالجاه فيما بينهما بالتصالح والتسامح، وإذا اقتضى الأمر أن يتنازل أحدهما للآخر عن جانب من حقوقه فليفعل من أجل الإبقاء على الحياة الزوجية. وأن الرجل لا يستطيع أن يعدل عدلا مطلقا كاملا بين زوجاته،

<<  <  ج: ص:  >  >>