للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن القراءتين بمعنى واحد لأن أصل (تلوا) - وهي قراءة حمزة وابن عامر- تلووا- وهي قراءة الجمهور- نقلت حركة الواو- في قراءة الجمهور- إلى الساكن قبلها فالتقى واوان ساكنان فحذفت إحداهما فصارت الكلمة (تلوا) .

هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تبنى المجتمع الإسلامى على أقوى القواعد، وأمتن الأسس وأشرف المبادئ. إنها تبنيه على قواعد العدل والقسط، وتأمر المؤمنين أن يلتزموا كلمة الحق مع أنفسهم ومع أقرب المقربين إليهم مهما تكلفوا في ذلك من جهاد شاق يقتضيه التزام الحق، فإن كلمة الحق كثيرا ما تجعل صاحبها عرضة للإيذاء والاعتداء والاتهام بالباطل من الأشرار والفجار. بل إن كلمة الحق قد تفضى بصاحبها إلى الموت. ولكن لا بأس، فإن الموت مع التمسك بالحق، خير من الحياة في ظلمات الباطل.

ثم أمر الله- تعالى- المؤمنين أن يثبتوا على إيمانهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ أى: يا أيها المؤمنون اثبتوا على إيمانكم وداوموا على تصديقكم بوحدانية الله- تعالى- وعلى تصديقكم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي نزله الله- تعالى- عليه وهو القرآن، وبالكتاب الذي أنزله الله- تعالى- على الرسل الذين أرسلهم من قبله.

والمراد بالكتاب الذي أنزله على الرسل من قبله جنس الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والزبور.

ثم بين- سبحانه- سوء مصير من يكفر بشيء مما يجب الإيمان به فقال- تعالى-: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً.

أى: ومن يكفر بالله بأن يجحد وحدانيته وألوهيته، ولا يخلص له العبادة، ويكفر بملائكته بأن ينكر بأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويكفر بكتبه التي أنزلها- سبحانه، على أنبيائه، وبرسله الذين أرسلهم لهداية الخلق. وباليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، من يكفر بكل ذلك فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن السبيل القويم بعدا كبيرا، لأنه بكفره بذلك يكون قد خالف الفطرة، وانحرف عما يقتضيه العقل السليم، وأوغل في الشرور والآثام إيغالا شديدا، يؤدى به إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وبعد هذه الأوامر السديدة للمؤمنين. عادت السورة الكريمة إلى تحذيرهم من أعدائهم ومن المنافقين، فكشفت لهم عن طبيعتهم، ونهتهم عن القعود معهم، وبينت لهم أنماطا من خداعهم، وألوانا من أخلاقهم الذميمة، وأخبرتهم عن سوء مصير أولئك المنافقين والمتمادين في الغي والضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>