للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إن موسى جاء بالألواح من عند الله، فأتنا أنت بالألواح من عند الله حتى نصدقك. فأنزل الله- تعالى- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ. إلى قوله وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً وعن السدى: قالت اليهود: يا محمد، إن كنت صادقا فأتنا بكتاب من السماء كما جاء به موسى.

وعن قتادة: أنهم سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا، تأمر بتصديقه واتباعه «١» .

والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود خاصة، بدليل سياق الآيات الكريمة التي ذكرت أوصافا تنطبق عليهم، وبدليل ما ذكرناه في سبب نزول الآيات.

والمعنى يسألك اليهود يا محمد على سبيل التعنت والعناد، أن تنزل عليهم كتابا من السماء مكتوبا جملة كما جاء موسى لآبائهم بالتوراة مكتوبة في الألواح جملة. أو يسألونك أن تنزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا من السماء تأمرهم بتصديقك، وسؤالهم هذا مقصدهم من ورائه التعنت والجحود، ولو كانوا يريدون الإيمان حقا لما وجهوا إليك هذه الأسئلة المتعنتة لأن الأدلة القاطعة قد قامت على صدقك.

وعبر بالمضارع في قوله يَسْئَلُكَ لقصد استحضار حالتهم العجيبة في هذا السؤال، حتى لكأن السامع يراهم، وللدلالة على تكرار أسئلتهم وتجددها المرة تلو الأخرى بدون حياء أو خجل.

وقوله: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً بيان للون من رذائلهم وقبائحهم، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم من أذى وسوء أدب.

والفاء في قوله فَقَدْ سَأَلُوا معطوفة على جملة محذوفة والتقدير: لا تبتئس يا محمد من أقوال هؤلاء اليهود، ولا تهتم بأسئلتهم، فتلك شنشنة قديمة معروفة عن آبائهم، فقد سأل آباؤهم موسى أسئلة أكبر من ذلك فقالوا له: أرنا الله جهرة أى رؤية ظاهرة بحيث نعاينه ونشاهده بأبصارنا ويطلب إلينا الإيمان بك. ويصح أن تكون الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، وإليه أشار صاحب الكشاف بقوله: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ، جواب لشرط مقدر معناه (إن استكبرت ما سألوك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم، وراضين بسؤالهم.

ومضاهين لهم في التعنت «٢» .

أى: أن حاضر هؤلاء اليهود الذين يعيشون معك يا محمد كماضى آبائهم الأقدمين،


(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>