وقوله: غُلْفٌ جمع أغلف- كحمر جمع أحمر- والشيء الأغلف هو الذي جعل عليه شيء يمنع وصول شيء آخر إليه.
والمعنى: أن هؤلاء الجاحدين قد قالوا عند ما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحق إن قلوبنا قد خلقها الله مغطاة بأغطية غليظة، وهذه الأغطية جعلتنا لا نعى شيئا مما تقوله يا محمد، ولا نفقه شيئا مما تدعونا إليه، فهم بهذا الكلام الذي حكاه القرآن عنهم، يريدون أن يتنصلوا من مسئوليتهم عن كفرهم، لأنهم يزعمون أن قلوبهم قد خلقها الله بهذه الطريقة التي حالت بينهم وبين فهم ما يراد منهم.
وقريب من هذا قوله- تعالى- حكاية عن المشركين: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ «١» .
وقيل: إن قوله: غلف: جمع غلاف- ككتب وكتاب- وعليه يكون المعنى: أنهم قالوا إن قلوبنا غلف أى أوعية للعلم شأنها في ذلك شأن الكتب، فلا حاجة بنا يا محمد إلى ما تدعونا إليه، لأننا عندنا ما يكفينا.
والذي يبدو لنا أن التأويل الأول أولى، لأنه أقرب إلى سياق الآية، فقد رد الله عليهم بقوله: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. والطبع معناه. إحكام الغلق على الشيء وختمه بحيث لا ينفذ إليه شيء آخر.
والمعنى: أن هؤلاء القائلين إن قلوبهم غلف كاذبون فيما يقولون، وتخليهم عن مسئولية الكفر ليس صحيحا. لأن كفرهم ليس سببه أن قلوبهم قد خلقت مغطاة بأغطية تحجب عنها إدراك الحق- كما يزعمون- بل الحق أن الله- تعالى- ختم عليها، وطمس معالم الحق فيها، بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة. فهو- سبحانه- قد خلق القلوب على الفطرة، بحيث تتمكن من اختيار الخير والشر، إلا أن هؤلاء اليهود قد أعرضوا عن الخير إلى الشر، واختاروا الكفر على الإيمان نتيجة انقيادهم لأهوائهم وشهواتهم. فالله- تعالى- طبع على قلوبهم بسبب إيثارهم سبيل الغي على سبيل الرشد، فصاروا لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا قيمة له عند الله- تعالى-.
فقوله إِلَّا قَلِيلًا نعت لمصدر محذوف أى إلا إيمانا قليلا. كإيمانهم بنبوة موسى- عليه السلام- وإنما كان إيمانهم هذا لا قيمة له عند الله، لأن الإيمان ببعض الأنبياء والكفر