للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسمية ما يقال عند ترك الإرسال حجة مع استحالة أن يكون لأحد عليه- سبحانه- حجة مجاز. بتنزيل المعذرة في القبول عنده- تعالى- بمقتضى كرمه ولطفه منزلة الحجة القاطعة التي لا مرد لها «١» » .

وقوله: حُجَّةٌ اسم يكون. وخبره قوله «للناس» وقوله: على الله حال من حجة.

وقوله: بَعْدَ الرُّسُلِ أى: بعد إرسال الرسل وتبليغ الشريعة على ألسنتهم وهو متعلق بالنفي أى: لتنتفى حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل.

قال ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أحد أغير من الله، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا أحد أحب إليه المدح من الله، ومن أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين وفي لفظ آخر: «ومن أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه» «٢» .

وقوله: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً تذييل قصد به بيان قدرته التي لا تغالب وحكمته التي لا يحيط أحد بكنهها. أى: وكان الله- تعالى- وما زال هو القادر الغالب على كل شيء، الحكيم في جميع أفعاله وتصرفاته، وسيجازى الذين أساؤا بما عملوا، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

هذا وللمرحوم الأستاذ الإمام محمد عبده كلام نفيس في كتابه (رسالة التوحيد) عن: حاجة البشر إلى إرسال الرسل، وعن وظيفتهم- عليهم الصلاة والسلام- ومما قاله في ذلك: الرسل يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته. ويبينون الحد الذي يجب أن يقف عنده في طلب ذلك العرفان. على وجه لا يشق عليه الاطمئنان إليه، ولا يرفع ثقته بما آتاه الله من القوة.

الرسل يبينون للناس ما اختلفت عليه عقولهم وشهواتهم. وتنازعته مصالحهم ولذاتهم.

فيفصلون في تلك المخاصمات بأمر الله الصادع. ويؤيدون بما يبلغون عنه ما تقوم به المصالح العامة. ولا يفوت به المصالح الخاصة.

الرسل يضعون لهم بأمر الله حدودا عامة. يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم. كاحترام الدماء البشرية إلا بحق. مع بيان الحق الذي تهدر له، وحظر تناول شيء مما كسبه الغير إلا بحق. مع بيان الحق الذي يبيح تناوله. واحترام الأعراض. مع بيان ما يباح وما يحرم من الأبضاع.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٨٨
(٢) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>