وهكذا نرى السورة الكريمة حافلة بالتوجيهات التي تحض المؤمنين على التزام العهود والمواثيق التي شرعها الله وتحذرهم عاقبة إهمالها، أو الإخلال بشيء منها.
كما أخذ العلماء منها حل بهيمة الأنعام من جهة الانتفاع بلحومها وجلودها وأصوافها.
وحرمة ما حرم الله- تعالى- منها في مواطن أخرى.
كما أخذوا منها حرمة الاصطياد أو الانتفاع بالمصيد على من كان محرما بحج أو عمرة، وعلى من كان في أرض الحرم ولو لم يكن محرما.
قال القرطبي: وهذه الآية تلوح فصاحتها. وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصيرة بالكلام فإنها تضمنت خمسة أحكام:
الأول: الأمر بالوفاء بالعقود.
الثاني: تحليل بهيمة الأنعام.
الثالث: استثناء ما يلي بعد ذلك.
الرابع: استثناء حال الإحرام فيما يصاد.
الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.
وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا شيئا مثل هذا القرآن فقال: نعم أعمل مثل بعضه. فاحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد. إنى فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة. فنظرت فإذا هو نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتى بهذا «١» .
وبعد أن أشار- سبحانه- إلى ما أحل لعباده من طيبات، وما حظره عليهم من أفعال، أتبع ذلك بنداء آخر إليهم نهاهم فيه عن استحلال أشياء معينة فقال- تعالى-: