للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه وإن سلمنا أن الصد كان متقدما على نزولها فيكون المعنى: إن وقع صد مثل ذلك الصد الذي وقع عام الحديبية- فلا تعتدوا- «١» .

قال بعضهم: وهذا لا يمنع من الجزاء على الاعتداء بالمثل، لأن النهى عن استئناف الاعتداء على سبيل الانتقام، فإن من يحمله البغض والعداوة على الاعتداء على من يبغضه يكون منتصرا لنفسه لا للحق. وحينئذ لا يراعى المماثلة ولا يقف عند حدود العدل» «٢» .

ثم أمر الله- تعالى- عباده بالتعاون على فعل الخيرات وعلى ترك المنكرات فقال:

وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ.

والبر معناه: التوسع في فعل الخير، وإسداء المعروف إلى الناس.

والتقوى تصفية النفس وتطهيرها وإبعادها عن كل ما نهى الله عنه.

قال القرطبي: قال الماوردي: ندب الله- تعالى- إلى التعاون بالبر، وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله، وفي البر رضا الناس. ومن جمع بين رضا الله ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.

والإثم- كما يقول الراغب- اسم للأفعال المبطئة عن الثواب وجمعه آثام، والآثم هو المتحمل للإثم. ثم أطلق على كل ذنب ومعصية.

والعدوان: تجاوز الحدود التي أمر الشارع الناس بالوقوف عندها.

أى: وتعاونوا- أيها المؤمنون- على كل ما هو خير وبر وطاعة لله- تعالى-، ولا تتعاونوا على ارتكاب الآثام ولا على الاعتداء على حدوده، فإن التعاون على الطاعات والخيرات يؤدى إلى السعادة، أما التعاون على ما يغضب الله- تعالى- فيؤدى إلى الشقاء.

قال الآلوسى: والجملة عطف على قوله وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ من حيث المعنى، فكأنه قيل:

لا تعتدوا على قاصدي المسجد الحرام لأجل أن صدوكم عنه، وتعاونوا على العفو والإغضاء.

وقال بعضهم: هو استئناف، والوقف على أَنْ تَعْتَدُوا لازم.

هذا، وفي معنى هذه الجملة الكريمة وردت أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلّم عن أبى مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنى أبدع بي- أى: هلكت دابتي التي أركبها- فاحملني فقال: «ما عندي» . فقال رجل: يا رسول الله، أنا أدله على من يحمله


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٥٩
(٢) تفسير المنار ج ٦ ص ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>