قال القرطبي ما ملخصه: فمن قرأ بالنصب جعل العامل «اغسلوا» وبنى على ذلك أن الفرض في الرجلين الغسل دون المسح. وهذا مذهب الجمهور والكافة من العلماء وهو الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلّم واللازم من قوله في غير ما حديث. وقد رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح فنادى بأعلى صوته:«ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء» ثم إن الله حدهما فقال: إِلَى الْكَعْبَيْنِ كما قال في اليدين إِلَى الْمَرافِقِ فدل على وجوب غسلهما، ومن قرأ بالخفض جعل العامل الباء. فقال ابن العربي: اتفقت العلماء على وجوب غسلهما، وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين، والرافضة من غيرهم. وتعلق الطبري بقراءة الخفض- أى قال بمسح الرجلين.
ثم قال: وقد قيل: إن قوله وَأَرْجُلَكُمْ بقراءة الخفض- معطوف على اللفظ دون المعنى- أى لفظ الرءوس- وهذا أيضا يدل على الغسل، فإن المراعى المعنى لا اللفظ وإنما خفض للجوار كما تفعل العرب. وقد جاء هذا في القرآن وغيره قال- تعالى- يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ بالجر لأن النحاس هو الدخان.
ثم قال: والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل ما قدمناه، وما ثبت من قوله صلّى الله عليه وسلّم «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» فخوفنا ذكر النار على مخالفة مراد الله. ومعلوم أن النار لا يعذب بها إلا من ترك الواجب. ومعلوم أن المسح ليس من شأنه الاستيعاب.
ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما فتبين بهذا الحديث بطلان من قال بالمسح. إذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم، وإنما ذلك يدرك بالغسل لا بالمسح.
ونقل الجمهور كافة عن كافة عن نبيهم صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة واثنتين وثلاثا حتى ينقيهما. وحسبك بهذا حجة في الغسل مع ما بيناه فقد وضح وظهر أن قراءة الخفض المعنى فيها الغسل لا المسح وأن العامل في قوله وَأَرْجُلَكُمْ قوله فَاغْسِلُوا والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما. تقول: أكلت الخبز واللبن. أى: وشربت اللبن «١» .
وقد عقد الإمام ابن كثير فصلا أورد فيه- عند تفسيره لهذه الآية- كثيرا من الأحاديث التي وردت في غسل الرجلين، وجعل عنوانه:«ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين وأنه لا بد منه» .