للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمعوا له ويطيعوا في العسر واليسر، والمنشط والمكره، كما حدث مع الأنصار ليلة العقبة، وكما حدث مع المؤمنين جميعا في بيعة الرضوان وإنما أضيف الميثاق إلى الله تأكيدا لوجوب الوفاء به ولأنه- سبحانه- هو الذي شرعه وهو الذي سيحاسبهم على نقضه وعدم الوفاء به وقال مجاهد: المراد به الميثاق الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم من ظهر آدم، وضعف هذا القول بأن الخطاب هنا للمؤمنين وليس للبشر جميعا.

قال ابن جرير ما ملخصه: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قول ابن عباس، وهو أن معناه: واذكروا أيها المؤمنون- نعمة الله التي أنعمها عليكم بهدايته إياكم إلى الإسلام وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ يعنى: وعهده الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة له في المنشط والمكره، والعسر واليسر، إذ قلتم سمعنا ما قلت لنا وأخذت علينا من المواثيق، وأطعناك فيما أمرتنا ونهيتنا عنه.. فأوفوا- أيها المؤمنون- بميثاقه الذي واثقكم به ونعمته التي أنعم عليكم بها يوف لكم بما ضمن لكم الوفاء به، من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنته، وإنعامكم بالخلود في دار كرامته وإنقاذكم من عذابه وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من قول من قال المراد بالميثاق ما أخذ عليهم في صلب آدم، لأن الله بعد أن ذكر المؤمنين بميثاقه الذي واثقهم به، ذكر بعد ذلك أهل التوراة بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ منبها بذلك المؤمنين على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه، ويعرفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه «١» وبعد أن ذكر الله- تعالى- المؤمنين بنعمته عليهم وبميثاقه الذي واثقهم به وأمرهم بالوفاء بما كلفهم به ختم- سبحانه- الآية بأمرهم بخشيته والخوف منه قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

أى: اشكروا الله- أيها المؤمنون- على نعمته، وكونوا أوفياء بعهودكم واتقوا الله وراقبوه في كل ما تأتون وما تذرون، وصونوا أنفسكم عن كل ما يكرهه لكم، فإنه- سبحانه- عليم علما تاما بخفيات الأمور الكامنة في الصدور. وبكل ما يظهره الإنسان ويبطنه، وسيحاسبكم يوم القيامة على أعمالكم، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته و (ذات الصدور) هي الأمور المستقرة في الصدور، فهي بالنسبة للصدور كالصاحب بالنسبة لصاحبه الذي يلازمه ولا يفارقه. ومثلوا لها بالنيات والاعتقادات وسائر الأمور القلبية.


(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>