من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره، فكأنما أحيا الناس جميعا» «١» .
ويبدو لنا أن تفسير النفس بالعموم أولى، لأنه هو الذي عليه جمهور العلماء، ولأنه أدعى لحفظ الدماء الإنسانية، وإعطائها ما تستحقه من صيانة واحترام.
وقوله. بِغَيْرِ نَفْسٍ متعلق بالفعل قبله وهو (قتل) . وقوله أَوْ فَسادٍ مجرور عطفا على نفس المجرورة بإضافه غير إليها.
و «ما» في قوله فَكَأَنَّما كافة مهيئة لوقوع الفعل بعدها.
وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ بيان لموقف بنى إسرائيل القبيح مما جاءهم من هدايات على أيدى أنبيائهم ومرشديهم.
أى: ولقد جاءت رسلنا لبنى إسرائيل بالآيات البينات، والمعجزات الواضحات، ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ أى: بعد الذي كتبناه عليهم من شرائع، وبعد مجيء الرسل إليهم بالبينات فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ أى: لمجاوزون الحد في ارتكاب المعاصي والآثام، إذ الإسراف مجاوزة حدود الحق والعدل بدون مبالاة أو اهتمام بهما. وأكد- سبحانه- جملة وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بالقسم، لكمال العناية بمضمونها، ولبيان أن الرسل- عليهم السلام- ما قصروا في إرشاد بنى إسرائيل إلى ما يسعدهم ويهديهم، فقد جاءوهم بالشرائع البينة الواضحة التي تحمل في نفسها دليل صلاحها. والتعبير «بجاءتهم» يشير إلى أن الرسل- عليهم السلام- وصلوا إليهم، وصاروا قريبين منهم، بحيث يرونهم ويخاطبونهم ولا يتركون أمرا يهمهم إلا بينوه لهم.
وجملة ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ معطوفة على جملة وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ.
وكان العطف «بثم» المفيدة هنا للتراخي في الرتبة، للإشارة إلى الفرق الشاسع بين ما جاءتهم به الرسل من بينات وهدايات، وبينات وهدايات، وبين ما كان عليه بنو إسرائيل من جحود وعناد وإفساد في الأرض.
واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى المذكور من مجيء الرسل إليهم بالبينات ومن كتابة الشرائع عليهم. وفي وصف الكثيرين من بنى إسرائيل بالإسراف احتراس في الحكم، وإنصاف للقلة التي آمنت منهم، وهذا من عدالة القرآن الكريم في أحكامه، ودقته في تعبيراته.
وذكر- سبحانه- أن إسراف الكثيرين منهم فِي الْأَرْضِ مع أنه لا يكون إلا فيها، للإيذان بأن فسادهم وإسرافهم في القتل والمعاصي لم يكن فيما بينهم فحسب، بل انتشر شره في