ومعنى الآية الكريمة: واذكروا يا بنى إسرائيل- لتعتبروا وتتعظوا وقت أن حدث في أسلافكم قتيل ولم يعرف الجاني. فطلب بعض أهله وغيرهم ممن يهمه الأمر من موسى- عليه السلام- أن يدعو الله- تعالى- ليكشف لهم عن القاتل الحقيقي، فقال لهم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فدهشوا وقالوا بسفاهة وحماقة أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ أى أتجعلنا موضع سخريتك؟ قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ الذين يخبرون عنه بما لم يأمر به.
والذي عليه جمهور المفسرين أن أمرهم بذبح البقرة كان بعد تنازعهم في شأن القاتل من هو؟ وذلك ليعرف القاتل الحقيقي إذا ضرب القتيل ببعضها، كما سيأتى في قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.
وقد أمرهم الله- تعالى- بذبح بقرة دون غيرها من الحيوانات لأنها من جنس ما عبدوه وهو العجل، وفي أمرهم بذلك تهوين لشأن هذا الحيوان الذي عظموه وعبدوه وأحبوه فكأنه- سبحانه- يقول لهم: إن هذا البقر الذي يضرب به المثل في البلادة، لا يصلح أن يكون معبودا من دون الله، وإنما يصلح للحرث والسقي والعمل والذبح.
وقولهم أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ يدل على سفههم وسوء ظنهم بنبيهم وعدم توقيرهم له وجهلهم بعظمة الله- تعالى- وما يجب أن يقابل به أمره من الانقياد والامتثال، لأنهم لو كانوا عقلاء لامتثلوا أمر نبيهم، وانتظروا النتيجة بعد ذلك. ولكنهم قوم لا يعقلون.
ولما كان قولهم هذا القول يدل على اعتقادهم بأن موسى- عليه السلام- قد أخبر عن الله بما لم يؤمر به، أجابهم موسى بقوله: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ: أى ألتجئ إلى الله وأبرأ إليه من أن أكون من السفهاء الذين يروون عنه الكذب والباطل، وفي هذا الجواب تبرؤ وتنزه عن الهزء، وهو المزاح الذي يخالطه احتقار واستخفاف بالممازح معه- لأنه لا يليق بعقلاء الناس فضلا عن رسل الله- عليهم السلام- كما أن فيه- أيضا- ردا لهم- عن طريق التعريض بهم- إلى جادة الأدب الواجب في جانب الخالق، حيث بين لهم أن ما ظنوه به لا يليق إلا بمن يجهل عظمة الله- تعالى-.
قال فضيلة المرحوم الشيخ محمد الخضر حسين عند تفسيره للآية الكريمة: