للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام التي يحاربونها ويشيعون الأباطيل حولها وحول من جاء بها صلى الله عليه وسلم.

وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو خلودهم في النار بسبب اجتراحهم السيئات، ومحاربتهم لمن جاءهم بالحق والهدى والسعادة.

ثم كشف- سبحانه- عن رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة فقال- تعالى-: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.

والسحت: هو كل ما خبث كسبه وقبح مصدره، كالتعامل بالربا وأخذ الرشوة وما إلى ذلك من وجوه الكسب الحرام.

وقد بسط الإمام القرطبي هذا المعنى فقال: والسحت في اللغة أصله الهلاك والشدة.

قال- تعالى- فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ أى: - فيهلككم ويستأصلكم بعذاب- ويقال للحالق: أسحت أى استأصل. وقال الفراء: أصل السحت كلب الجوع. يقال رجل مسحوت المعدة أى: أكول، فكأن بالمسترشى وآكل الحرام من الشره إلى ما يعطى مثل الذي بالمسحوت المعدة من النهم.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به» قالوا يا رسول الله وما السحت؟ قال: «الرشوة في الحكم» .

وقال بعضهم: من السحت أن يأكل الرجل بجاهه. وذلك بأن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها» «١» .

والمعنى: أن هؤلاء المنافقين واليهود من صفاتهم- أيضا- أنهم كثير والسماع للكذب، وكثير والأكل للمال الحرام بجميع صوره وألوانه. ومن كان هذا شأنه فلا تنتظر منه خيرا، ولا تؤمل فيه رشدا.

وقوله: سَمَّاعُونَ خبر لمبتدأ محذوف أى: هم سماعون. وكرر تأكيدا لما قبله، وتمهيدا لما بعده وهو قوله: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.

وجاءت هاتان الصفتان- سماعون وأكالون- بصيغة المبالغة، للإيذان بأنهم محبون حبا جما لما يأباه الدين والخلق الكريم. فهم يستمرئون سماع الباطل من القول، كما يستمرئون أكل أموال الناس بالباطل:

إن اليهود بصفة خاصة قد اشتهروا في كل زمان بتقبل السحت، وقد أرشد الله- تعالى-


(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٨٣ بتصرف وتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>