للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم بعض الغزوات وأعطى العطايا الجزيلة، أعطى العباس ابن مرداس أقل من غيره، فلم يرق ذلك العباس وقال شعرا يتضمن التعجيب من هذا التصرف. فقال صلى الله عليه وسلم «اقطعوا لسانه» . فزادوه حتى رضى. فهذا نوع من الرشوة رخص فيه السلف لدفع الظلم عن نفسه يدفعه إلى من يريد ظلمه أو انتهاك عرضه «١» .

٢- استدل بعض العلماء بقوله- تعالى-: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مخيرا في الحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم، وأن حكم التخيير غير منسوخ، لأن ظاهر الآية يفيد ذلك.

ويرى فريق من العلماء أن هذا التخيير قد نسخ بقوله- تعالى- بعد ذلك وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أولا مخيرا ثم أمر بعد ذلك بإجراء الأحكام عليهم.

وقد رد القائلون بثبوت التخيير على القائلين بالنسخ بأن التخيير ثابت بهذه الآية.

أما قوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فهو بيان لكيفية الحكم عند اختياره له.

ويرى فريق ثالث من العلماء: أن التخيير ورد في المعاهدين الذين ليسوا من أهل الذمة كبني النضير وبنى قريظة، فهؤلاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخيرا بين أن يحكم بينهم أو أن يعرض عنهم:

وقوله- تعالى- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ورد في أهل الذمة الذين لهم مالنا وعليهم ما علينا. وعلى هذا فلا نسخ في الآية.

قال الآلوسى: قال أصحابنا: أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث وسائر العقود، إلا في بيع الخمر والخنزير، فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين، واختلف في مناكحتهم، فقال أبو حنيفة: يقرون عليها، وخالفه- في بعض ذلك. محمد وزفر. وليس لنا عليهم اعتراض قبل التراضي بأحكامنا فمتى تراضوا بها وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم، وتمام التفصيل في كتب الفروع.

٣- أخذ العلماء من هذه الآية- أيضا- أن الحاكم ينفذ حكمه فيما حكم فيه لأن اليهود حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض قضاياهم، فحكم فيهم بما أنزل الله، ونفذ هذا الحكم عليهم.

قال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم قد حكم بينهم بشريعة موسى- عليه السلام- ولكن هذا الحكم كان قبل أن تنزل عليه الحدود. أما الآن وقد أكمل الله الدين، وتقررت الشريعة، فلا يجوز لأى حاكم أن يحكم بغير الأحكام الإسلامية لا فرق بين المسلمين وغيرهم «٢» .


(١) تفسير آيات الأحكام ج ٢ ص ١٩٣ لفضيلة الأستاذ محمد على السائس:
(٢) تفسير آيات الأحكام ج ٢ ص ١٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>