للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: فَهُوَ يعود إلى التصدق المدلول عليه بالفعل (تصدق) والضمير في قوله لَهُ يعود إلى العافي المتصدق وهو المجنى عليه أو من يقوم مقامه.

والمعنى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بما ثبت له من حق القصاص، بأن عفا عن الجاني فإن هذا التصدق يكون كفارة لذنوب هذا المتصدق، حيث قدم العفو مع تمكنه من القصاص.

وقيل إن الضمير في لَهُ يعود على الجاني فيكون المعنى: فمن تصدق بما ثبت له من حق القصاص، بأن عفا عن الجاني، فإن هذا التصدق يكون كفارة له. أى لذنوب الجاني، بأن لا يؤاخذه الله بعد ذلك العفو. وأما المتصدق فأجره على الله.

وقد رجح ابن جرير عودة الضمير إلى العافي المتصدق وهو المجنى عليه أو ولى دمه فقال:

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: عنى به: فمن تصدق به فهو كفارة له أى المجروح، ولأنه لأن تكون الهاء في قوله (له) عائدة على (من) أولى من أن تكون عائدة على من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح، إذ الصدقة هي المكفرة ذنب صاحبها دون المتصدق عليه في سائر الصدقات) «١» .

وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ تذييل قصد به التحذير من مخالفة حكم الله. أى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون لأنفسهم، حيث تركوا الحكم العدل واتجهوا إلى الحكم الجائر الظالم.

قال الرازي: وفيه سؤال وهو أنه- تعالى-. قال: أولا: فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وثانيا هُمُ الظَّالِمُونَ والكفر أعظم من الظلم، فلماذا ذكر أعظم التهديدات أولا وأى فائدة في ذكر الأخف بعده؟

وجوابه: أن الكفر من حيث إنه إنكار لنعمة المولى وجحود لها فهو كفر، ومن حيث إنه يقتضى إبقاء النفس في العقاب الدائم الشديد فهو ظلم على النفس. ففي الآية الأولى ذكر الله ما يتعلق بتقصيره في حق الخالق- سبحانه- وفي هذه الآية ذكر ما يتعلق بالتقصير في حق نفسه» «٢» .

هذا، ومما أخذه العلماء من هذه الآية ما يأتى:

١- أن الآية الكريمة- ككثير غيرها- تنعى على بنى إسرائيل إهمالهم لأحكام الله- تعالى- وتهافتهم على ما يتفق مع أهوائهم.


(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٦٢ بتصريف وتلخيص.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>