والمعنى: ويقول الذين آمنوا بعضهم لبعض مستنكرين ما صدر عن المنافقين من خداع وكذب، ومتعجبين من ذبذبتهم والتوائهم: يقولون مشيرين إلى المنافقين: أهؤلاء الذين أقسموا بالله مؤكدين إيمانهم بأقوى المؤكدات وأوثقها، بأن يكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنا في ولايتهم ونصرتهم ومعونتهم ... ؟.
فالاستفهام للإنكار والتعجيب من أحوال هؤلاء المنافقين الذين مردوا على الخداع والكذب.
وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر في معنى ويقول الذين آمنوا فقال: فإن قلت: لمن يقولون هذا القول؟ قلت: إما أن يقوله بعضهم لبعض تعجبا من حالهم، واغتباطا بما من الله عليهم من التوفيق في الإخلاص أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لكم بأغلظ الإيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار.
وإما أن يقولوه لليهود، لأنهم- أى المنافقون- حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة كما حكى الله عنهم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ- ثم خذلوهم-، «١» :
وعلى كلا الوجهين فالجملة الكريمة تنعى على المنافقين كذبهم وجبنهم، وتعجب الناس من طباعهم الذميمة، وأخلاقهم المرذولة.
وقوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ أى: فسدت أعمالهم وبطلت فصاروا خاسرين في الدنيا والآخرة.
ويحتمل أن تكون هذه الجملة مما حكاه الله- تعالى- من قول المؤمنين ويحتمل أنها من كلام الله- تعالى- وقد ساقها على سبيل الحكم عليهم بفساد أعمالهم، وسوء مصيرهم.
هذا، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على ضروب من توكيد النهى عن موالاة أعداء الله- تعالى- بأساليب متعددة.
منها: النهى الصريح كما في قوله- تعالى-: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ.
ومنها: بيان علة النهى كما في قوله: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.
ومنها: التصريح بأن من يواليهم فهو منهم وذلك في قوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ.
ومنها: تسجيل الظلم على من يواليهم كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
ومنها: الإخبار بأن موالاتهم من طبيعة الذين في قلوبهم مرض قال- تعالى-: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ.
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٣٤.