للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكل السحت، ولم يذكر العدوان- الذي ورد في الآية السابقة إيماء إلى أن العدوان يزجرهم عنه المسلمون ولا يلتجئون في زجرهم إلى غيرهم لأن الاعتماد في النصرة على غير المجنى عليه ضعف» «١» .

وقوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ تذييل قصد به ذم علماء اليهود بسبب تركهم لفضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وقوله: يَصْنَعُونَ من الصنع وهو العمل بدقة ومهارة وإحكام.

أى: والله لبئس الصنع صنعهم حيث تركوا نهى عامتهم عن قول الإثم وأكل السحت.

وقد تكلم المفسرون عن السر في أن الله تعالى- ذم اليهود بقوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وذم علماءهم وفقهاءهم بقوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ.

وقد أجاد الكلام عن ذلك الإمام الرازي فقال: والمعنى، أن الله- تعالى- استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي، وذلك يدل على أن تارك النهى عن المنكر بمنزلة مرتكبه، لأنه- تعالى- ذم الفريقين.. بل نقول: إن ذم تارك النهى عن المنكر أقوى، لأنه- سبحانه- قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكل السحت لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وقال في العلماء التاركين للنهى عن المنكر لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ والصنع أقوى من العمل، لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار راسخا متمكنا، فجعل جرم العاملين ذنبا غير راسخ. وذنب التاركين للنهى عن المنكر ذنبا راسخا. والأمر في الحقيقة كذلك، لأن المعصية مرض الروح، وعلاجه العلم بالله وبصفاته وبأحكامه، فإذا حصل هذا العلم وما زالت المعصية كان كمثل المرض الذي شرب صاحبه الدواء إلا أن المرض بقي كما هو» «٢» .

وقال ابن جرير: كان العلماء يقولون: ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية، ولا أخوف عليهم منها «٣» .

وقال ابن كثير: روى الإمام أحمد عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي، هم أعز منه وأمنع، ولم يغيروا، إلا أصابهم الله منه بعذاب.

وروى ابن أبى حاتم عن يحيى بن يعمر قال: خطب على بن أبى طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس!! إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون


(١) تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ج ٦ ص ٢٤٨
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٣٩
(٣) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>