للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا- كما قلنا مرارا- من إنصاف القرآن للناس في أحكامه، ودقته في ألفاظه، واحتراسه فيما يصدر من أحكامه.

وقوله: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ تذييل قصد به بطلان حسبانهم المذكور، والبصير مبالغة في المبصر وهو هنا بمعنى العليم بكل ما يكون منهم من أعمال سواه أبصرها الناس أم لم يبصروها.

والمقصود من هذا الخبر لازم معناه، وهو الإنذار والتذكير بأن الله لا يخفى عليه شيء.

وسيحاسبهم على أعمالهم.

أى: والله- تعالى- عليم بما يعملونه علم من يبصر كل شيء دون أن تخفى عليه خافية، وسيجازيهم على أعمالهم بما يستحقونه من عذاب أليم.

هذا، وقد تكلم المفسرون عن وقت التوبة التي كانت بعد عماهم وصممهم وعن العمى والصمم الذي أصابهم بعد ذلك وقد أجمل الإمام الرازي كلامهم فقال:

والآية تدل على أن عماهم وصممهم عن الهداية إلى الحق حصل مرتين. واختلف المفسرون في المراد بهاتين المرتين على وجوه:

الأول: المراد أنهم عموا وصموا في زمان زكريا ويحيى وعيسى- عليهم السلام- ثم تاب الله على بعضهم حيث وفق بعضهم للإيمان: ثم عموا وصموا كثير منهم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم بأن أنكروا نبوته. وقلة منهم هي التي آمنت به.

الثاني: المراد أنهم عموا وصموا حين عبدوا العجل، ثم تابوا عنه فتاب الله عليهم، ثم عموا وصموا كثير منهم بالتعنت وهو طلبهم رؤية الله جهرة.

الثالث: قال القفال: ذكر الله- تعالى- في سورة الإسراء ما يجوز أن يكون تفسيرا لهذه الآية فقال: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً «١» .

والذي نراه أن تحديد عماهم وصممهم وتوبتهم بزمان معين أو بجريمة أو جرائم معينة تابوا بعدها هذا التحديد غير مقنع.

ولعل أحسن منه أن نقول: إن القرآن الكريم يصور ما عليه بنو إسرائيل من صفات ذميمة، وطبائع معوجة، ومن نقض للعهود والمواثيق. فهم أخذ الله عليهم العهود فنقضوها، وأرسل إليهم الرسل فاعتدوا عليهم وظنوا أن عدوانهم هذا شيء هين ولن يصيبهم بسببه عقاب


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>