للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنجم عنها العيون النابعة، والآبار الجوفية المفيدة. ومنها ما ينقاد لأوامر الله عن طواعية وامتثال. أما قلوبكم أنتم فلا يصدر عنها نفع، ولا تتأثر بالعظات والعبر، ولا تنقاد للحكم التي من شأنها هداية النفوس.

وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تهديد وتخويف، حيث إنه- سبحانه- سيحاسبهم على أعمالهم، وسيذيقهم ما يستحقونه من عقاب جزاء جحودهم لنعمه، وعصيانهم لأمره.

وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت بنى إسرائيل بما هم أهله. من قساوة القلب وانطماس البصيرة، وعدم التأثر بالعظات مهما كثرت. وبالآيات مهما توالت.

ما يؤخذ من هذه القصة من العظات والعبر:

اشتملت هذه القصة على كثير من العظات والتوجيهات الإلهية من ذلك.

١- دلالتها على ما جبل عليه بنو إسرائيل من فظاظة وغلظة، وسوء أدب مع مرشديهم، وإحفاء في الأسئلة بلا موجب، وعدم استعداد للتسليم بما يأتيهم به الرسل، ومما طلة في الانصياع للتكاليف، وانحراف عن الطريق المستقيم.

٢- دلالتها على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، فقد أخبر في هذه القصة الواقعية التي لم يشهد حوادثها بما أوحاه الله إليه وهذا الإخبار من أعلام نبوته صلّى الله عليه وسلّم كما أنها تدل على صدق نبوة موسى- عليه السلام- وأنه رسول من رب العالمين.

٣- دلالتها على أن التنطع في الدين، والإلحاف في المسألة يؤديان إلى التشديد في الأحكام، لأن بنى إسرائيل لو أنهم أول الأمر عمدوا إلى ذبح أى بقرة لأجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.

أخرج ابن جرير- رحمه الله- عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «لو أن القوم أخذوا أدنى بقرة لأجزأتهم. لكنهم شددوا فشدد الله عليهم» «١» .

وقد أدى بهم هذا التنطع والتشديد إلى تضييق دائرة اختيارهم، وتكثير للشروط التي يجب توافرها في البقرة المطلوبة، وذلك لتأديبهم على مما طلتهم وبلادة عقولهم، وسوء تلقيهم للشريعة بأنواع من التقصير عملا وشكرا وفهما، وبذلك يعلم أن ما كلفهم الله به أولا هو ذبح بقرة ما، وأن ما أمروا به بعد ذلك من كونها صفراء سالمة من آثار الخدمة ليس من باب تأخير


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>