للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس. وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى «١» فتركها بعض الناس وقالوا: لا حاجة فيما يشغلنا عن الصلاة وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة، حتى نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآية. فصارت حراما عليهم حتى صار بعضهم يقول: ما حرم الله شيئا أشد من الخمر» «٢» .

وأخرج عبد بن حميد عن الربيع أنه قال: لما نزلت آية البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر» ، ثم نزلت آية النساء: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فقال صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر» ، ثم نزلت آية المائدة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ فحرمت عند ذلك.

ولما سمع عمر قوله- تعالى- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال: انتهينا يا رب «٣» ولا شك في أن تدرج القرآن في تحريم الخمر يدل دلالة واضحة على رحمة الله- تعالى- بعباده المؤمنين وتربية حكيمة حتى يقلعوا عما تعودوه بسهولة ويسر وذلك لأن شرب الخمر كان من العادات المتأصلة في النفوس ويكفى للدلالة على حب العرب لها قول أنس بن مالك: حرمت الخمر ولم يكن للعرب عيش أعجب منها. وما حرم عليهم شيء أشد عليهم من الخمر» .

ولقد كان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يحبونه ويشتهونه، يمثل اسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأمر الله- تعالى- فعند ما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات، بل وحطموا الأوانى التي كانت توضع فيها الخمر.

أخرج البخاري عن أنس قال: كنت ساقى القوم في منزل أبى طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ- أى: نقيع البسر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى «ألا إن الخمر قد حرمت» .

قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها. قال: فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة «٤» وأخرج ابن جرير عن قتادة عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبى طلحة، وأبى عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبى دجانة حتى مالت رءوسهم من


(١) سورة النساء الآية ٤٣
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٢٨٦
(٣) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ١٧
(٤) البخاري في باب: صب الخمر من كتاب «المظالم والغضب» ج ٣ ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>