لأنهم لم يمتثلوا ما أجيبوا به، وإنما نبذوه وراء ظهورهم.
وبذلك ترى أن الآيتين الكريمتين تنهيان المؤمنين في كل زمان ومكان عن الخوض في الأسئلة عن أشياء يسوءهم الكشف عنها، وضربتا لهم الأمثال بحال الذين من قبلهم ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالأسئلة عن التكاليف والأحكام، فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها، ولو سكتوا عن هذه الأسئلة التي لا فائدة من ورائها لكان خيرا لهم وأقوم.
هذا، وقد ساق الشيخ القاسمى- رحمه الله- عقب تفسيره لهاتين الآيتين أقوالا متعددة للعلماء فيما يؤخذ منهما من آداب وأحكام، فقال- ما ملخصه-:
قال ابن كثير: ظاهر الآية النهى عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته فالأولى الإعراض عنها:
فقد روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أبى هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» .
وروى الدّارقطنيّ وأبو نعيم عن أبى ثعلبة الخشني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله- تعالى- فرض فرائض فلا تضيعوها. وحد حدودا فلا تعتدوها. وحرم أشياء فلا تقربوها. وترك أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» .
ثم قال الشيخ القاسمى: ثم رأيت في «موافقات» الامام الشاطبي في هذا الموضوع- مبحثا جليلا قال فيه.
الإكثار من الأسئلة مذموم. والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح. وهذه مواضع يكره السؤال فيها:
١- السؤال عما لا ينفع في الدين، كسؤال عبد الله بن حذافة: من أبى يا رسول الله؟
فأجابه أبوك حذافة.
٢- أن يسأل عن شيء بينه القرآن، كما سأل الرجل عن الحج: أكل عام يا رسول الله؟ مع أن قوله- تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قاض بظاهره أنه للأبد لإطلاقه.
٣- السؤال من غير احتياج إليه في الوقت، وكأن هذا- والله أعلم- خاص بما لم ينزل فيه حكم، وعليه يدل قوله: «ذروني ما تركتكم» . وقوله: «وسكت عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها» .