للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك تكون الآية الكريمة قد أبطلت مدعاهم إبطالا يحمل طابع الإنكار والتوبيخ.

ثم ساق- سبحانه- آية أبطلت مدعاهم عن طريق إثبات ما نفوه فقال تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

بلى حرف جواب يجيء لإثبات فعل ورد قبلها منفيا، والفعل المنفي هنا هو قول اليهود «لن تمسنا النار إلا أياما معدودة» فجاءت «بلى» لإثبات أن النار تمسهم أكثر مما زعموا فهم فيها خالدون جزاء كفرهم وكذبهم.

ومعنى الآية الكريمة: ليس الأمر كما تدعون أيها اليهود، من أن النار لن تمسكم إلا أياما معدودة، بل الحق أنكم ستخلدون فيها. فكل من كسب شركا مثلكم، واستولت عليه خطاياه، وأحاطت به كما يحيط السرادق بمن في داخله، ومات على ذلك دون أن يدخل الإيمان قلبه ويتوب إلى ربه فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

فالآية الكريمة فيها إبطال لمدعاهم، وإثبات لما نفوه، على وجه يشملهم ويشمل جميع من يقول قولهم، ويكفر كفرهم.

هذا والمراد بالسيئة هنا الشرك بالله كما قال جمهور المفسرين لورود الآثار عن السلف بذلك، وفائدة الإتيان بقوله تعالى وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ بعد ذلك، الإشعار بأن الخطيئة إذا أحاطت بصاحبها أخذت بمجامع قلبه فحرمته الإيمان، وأخذت بلسانه فمنعته عن أن ينطق به.

وقوله تعالى فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ بيان لما أعد لهم من عقوبات جزاء كفرهم وكذبهم على الله، فهم يوم القيامة سيكونون أصحابا للنار ملازمين لها على التأييد لإيثارهم في الحياة الدنيا ما يوردهم سعيرها، وهو الكفر وسوء الأفعال على ما يدخلهم الجنة وهو الإيمان وصالح الأعمال.

وبعد أن ذكر- سبحانه- ما أعد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من الكافرين الذين يفترون على الله الكذب، عقب ذلك ببيان ما أعده- سبحانه- لأهل الإيمان والتقوى فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أى: والذين آمنوا بالله ورسوله، وأطاعوا الله فأقاموا حدوده، وأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه، فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون خلودا أبديا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ردت على اليهود أبلغ رد. حيث كذبتهم في دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة، وأخبرتهم بخلودهم وخلود كل كافر في النار، وأما الجنة فهي لمن آمن وعمل صالحا واتبع سبيل المرسلين فهؤلاء أصحابها وهم فيها خالدون.

<<  <  ج: ص:  >  >>