للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ. قُلْ: إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

ثم تدعوهم السورة بعد ذلك بأسلوب تلقيني إنذارى إلى التفكر والتدبر في مظاهر قدرة الله وتبين لهم بطريقة منطقية مقنعة أن الله وحده هو القادر على سلب أسماعهم وأبصارهم، وهو القادر على إنزال العذاب بهم أو رفعه عنهم. استمع إلى القرآن الكريم وهو يسوق هذه المعاني بأسلوبه الفريد فيقول:

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.

ثم يقول: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ. انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ.

ثم وضحت السورة أن وظيفة الرسل إنما هي التبشير للمتقين والإنذار للمكذبين وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم إنى أملك خزائن الأرض، أو إنى أعلم الغيب، أو إنى ملك من الملائكة. وإنما قال لهم: إنى بشر مثلكم أتبع ما يوحى إلى من ربي، والناس مختلفون بعد ذلك في تلقى نور الوحى، وجزاؤهم على حسب حالهم وعملهم، فلا يستوي المحسن والمسيء كما لا يستوي الأعمى والبصير:

قال تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ.

ثم تمضى السورة في سرد توجيهاتها وحكمها فتسوق البشارة للمؤمنين الذين اقترفوا بعض السيئات ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، كما تسوق الإنذار الحاسم للمشركين الذين لم يتبعوا الطريق القويم فتقول:

وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ.

ثم يمضى السياق مع المكذبين المستعجلين بالعذاب فيطلعهم ويطلع غيرهم في الربع الرابع من السورة على صورة شاملة لعلم الله الواسع، وقدرته النافذة، وحكمته الحكيمة، ويطوف بهم في مجاهل الغيب الذي لا يعلمه إلا هو، وفي عالم البر والبحر الذي لا يخرج منه شيء عن إرادته، وفي ظلمات الأرض المخبوءة التي لا يحيط بها إلا علمه، ثم يريهم كيف أنهم محكومون

<<  <  ج: ص:  >  >>