للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أخبر- سبحانه- عما يكون منهم من تخبط وحسرة فقال:

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.

الفتنة مأخوذة من الفتن، وهو إدخال الذهب في النار لتعرف جودته من رداءته، ثم استعمل في معان أخرى كالاختبار، والعذاب، والبلاء، والكفر.

والمعنى: ثم لم تكن عاقبة كفرهم حين اختبروا بهذا السؤال ورأوا الحقائق، وارتفعت الدعاوى إلا أن قالوا مؤكدين ما قالوا بالقسم الكاذب والله يا ربنا ما كنا مشركين. ظنا منهم أن تبرأهم من الشرك في الآخرة سينجيهم من عذاب الله كما نجا المؤمنين بفضله ورضوانه.

قال ابن عباس: يغفر الله- تعالى- لأهل الإخلاص ذنوبهم. ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فتعالوا نقول:

إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين. فقال الله- تعالى-: أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعندئذ يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا، فذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً «١» .

ثم قال- تعالى- انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.

والمراد بالنظر هنا: التدبر والتفكير.

والمعنى: انظر- أيها العاقل- وتأمل كيف كذب هؤلاء المشركون على أنفسهم في قولهم والله ربنا ما كنا مشركين، وغاب عن عملهم ما كانوا يفترونه في الدنيا من الأقوال الباطلة، وما كانوا يفعلونه من جعلهم لله شركاء.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور مع أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلت: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا: ألا تراهم يقولون رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ وقد علموا أنه لا يقضى عليهم» «٢» .

وبعد أن بين- سبحانه- أحوال الكفار في الآخرة أتبعه بما يوجب اليأس من إيمان بعضهم فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً.

قال ابن عباس: إن أبا سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وعتبة


(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٤٠١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>