والهداية: هي الإرشاد والدلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية، وتسند الهداية إلى الله وإلى النبي وإلى القرآن، وقد يراد منها الإيصال إلى ما فيه خير، وهي بهذا المعنى لا تضاف إلى الله- تعالى-.
قال أبو حيان في البحر ما ملخصه: وقد تأتى بمعنى التبيين كما في قوله- تعالى- وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أى بينا لهم طريق الخير. أو بمعنى الإلهام كما في قوله تعالى. قالَ: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟ قالَ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى. قال المفسرون معناه: ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها، أو بمعنى الدعاء كما في قوله. تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أى: داع.
والأصل في هدى أن يصل إلى ثانى معموليه باللام كما في قوله. تعالى. إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أو بإلى كما في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ثم يتسع فيه فيعدى إليه بنفسه ومنه: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «١» .
والصراط: الجادة والطريق، من سرط الشيء إذا ابتلعه، وسمى الطريق بذلك لأنه يبتلع المارين فيه، وتبدل سينه صاد على لغة قريش.
والمستقيم: المعتدل الذي لا اعوجاج فيه.
وأنعمت عليهم: النعمة لين العيش وخفضه، ونعم الله كثيرة لا تحصى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الغضب هيجان النفس وثورتها، عند الميل إلى الانتقام، وهو ضد الرضا. وإذا أسند إلى الله فسر بمعنى إرادة الانتقام أو بمعنى الانتقام نفسه.
والموافق لمذهب السلف أن يقال: هو صفة له- تعالى- لائقة بجلاله لا نعلم حقيقتها مجردة عن اللوازم البشرية وإنما نعرف أثرها وهو الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم.
والمعنى: اهدنا يا ربنا إلى طريقك المستقيم، الذي يوصلنا إلى سعادة الدنيا والآخرة، ويجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من خلقك، وجنبنا يا مولانا طريق الذين غضبت عليهم من الأمم السابقة أو الأجيال اللاحقة بسبب سوء أعمالهم وطريق الذين هاموا في الضلالات، فانحرفوا عن القصد، وحق عليهم العذاب.
وفي هذا الدعاء أسمى ألوان الأدب، لأن هذا الدعاء قد تضرع به المؤمنون إلى خالقهم بعد أن اعترفوا له- سبحانه- قبل ذلك بأنه هو المستحق لجميع المحامد، وأنه هو رب العالمين، والمتصرف في أحوالهم يوم الدين.
قال الإمام ابن كثير: وهذا أكمل أحوال السائل. أن يمدح مسئوله ثم يسأل حاجته وحاجة
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ١ ص ٢٥.