للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستنصرون عليهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل بعثته فيقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي الذي نجد نعته في التوراة، والاستفتاح معناه: طلب الفتح وهو الفصل في الشيء والحكم فيه، كما في قوله تعالى:

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ. ويستعمل بمعنى النصر لأن فيه فصلا بين الناس قال تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، فالمراد به في الآية الاستنصار.

ثم بين- سبحانه- حقيقة حالهم بعد أن جاءهم الكتاب والرسول فقال تعالى:

فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ أى: فلما جاءهم ما كانوا يستفتحون به على أعدائهم ويرتقبونه جحدوه وكفروا به.

وقال- سبحانه- فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ولم يقل فلما جاءهم الكتاب أو الرسول، ليكون اللفظ أشمل، فيتناول الكتاب والرسول الذي جاء به لأنه لا يجيء الكتاب إلا عن طريق رسول.

ومعرفتهم بصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما أنزل عليه حاصلة بانطباق العلامات والصفات الواردة في التوراة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فكان من الواجب عليهم أن يؤيدوا هذه المعرفة بالإيمان به، ولكن خوفهم على زوال رئاستهم وأموالهم، وفوات ما كانوا يحرصون عليه من أن يكون النبي المبعوث منهم لا من العرب، ملأ قلوبهم غيظا وحسدا، وأخذ هذا الغيظ والحسد يغالب تلك المعرفة حتى غلبها، وحال بينها وبين أن يكون لها أثر نافع لهم لعدم اقترانها بالقبول والتصديق.

ولقد حاول رئيسهم (عبد الله بن سلام) - رضي الله عنه- أن يصرفهم عن العناد وأقسم لهم بأن ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الحق المصدق لما معهم أن يتبعوه ولكنهم عموا وصموا وتنقصوه ولذا لعنهم الله تعالى، وأبعدهم عن رحمته كما قال تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.

وقال- سبحانه- عَلَى الْكافِرِينَ ولم يقل عليهم، للإشعار بأن حلول اللعنة عليهم كان بسبب كفرهم.

ثم ذكر- سبحانه- أنهم بكفرهم قد باعوا أنفسهم بثمن بخس. فقال تعالى: «بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله» أى: بئس الشيء الذي باع به اليهود أنفسهم كفرهم بما أنزل الله بغيا وحسدا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده.

وجمهور المفسرين على أن اشْتَرَوْا هنا بمعنى باعوا، لأن أولئك اليهود، لما كانوا متمكنين من الإيمان الذي يفضى بهم إلى السعادة الأبدية بعد أن جاءهم ما عرفوا من الحق فتركوه،

<<  <  ج: ص:  >  >>