هذا، وقد أفاض الإمام الرازي وهو يتحدث عن هذه الآية في بيان قدرة الله فقال ما ملخصه:
«إذا عرفت هذا فنقول: إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله- تعالى- في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخر، فالأول يخرج منها الشجرة الصاعدة إلى الهواء، والثاني يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض ثم إن ها هنا عجائب.
فإحداها: أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضي الهوى في عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة في الهواء؟ وإن كانت تقتضي الصعود في الهواء فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة في الأرض؟ فلما تولد منها الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى- علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين.
وثانيهما: أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوى فيه، ثم إنا نشاهد طراف تلك العروق في غاية الدقة واللطافة وبحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ في تلك الأرض الصلبة، والغوص في بواطن تلك الأجرام الكثيفة. فحصول هذه القوى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التي هي في غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.
ثم قال- رحمه الله- بعد كلام طويل: فانظر أيها المسكين بعين رأسك في تلك الورقة الواحدة من تلك الشجرة، واعرف كيفية خلقة تلك العروق والأوتار فيها، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة في الأرواح البشرية، فحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له، ويظهر لك أن أنواع نعم الله في حقك غير متناهية كما قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة» «١» .
وقوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ أى: يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة.
والجملة الكريمة مستأنفة مبينة لما قبلها ولذلك ترك العطف، وقيل خبر ثان ولم يعطف لاستقلاله في الدلالة على عظمة الله- تعالى-.