للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ أى: قد فصلنا الآيات الدالة على قدرتنا ووضحناها لقوم يفقهون ما يتلى عليهم ويتدبرونه فينتفعون بذلك.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قيل «يعلمون» مع ذكر النجوم ويَفْقَهُونَ مع ذكر إنشاء بنى آدم؟ قلت: كان إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنته وتدقيق نظره مطابقا له «١» .

وقد علق صاحب الانتصاف على كلام الزمخشري بما ملخصه: «جواب الزمخشري صناعى، والتحقيق أنه لما أريد فصل كليهما بفاصلة تنبيها على استقلال كل واحدة منهما بالمقصود من الحجة، كره فصلهما بفاصلتين متساويتين في اللفظ، لما في ذلك من التكرار فعدل إلى فاصلة مخالفة تحسينا للنظم واتساقا في البلاغة، ويحتمل وجها آخر في تخصيص الأولى بالعلم والثانية بالفقه وهو أنه لما كان المقصود التعريض بمن لا يتدبر آيات الله ولا يعتبر بمخلوقاته وكانت الآية الأولى خارجة عن أنفس النظار ومنافية لها، إذ النجوم والنظر فيها وعلم الحكمة الإلهية في تدبيره لها أمر خارج عن نفس الناظر، ولا كذلك النظر في إنشائهم من نفس واحدة، وتقلباتهم في أطوار مختلفة فإنه نظر لا يعدو نفس الناظر ولا يتجاوزها، فإذا تمهد ذلك فجهل الإنسان بنفسه وبأحواله أبشع من جهله بالأمور الخارجة عنه كالنجوم والأفلاك، فلما كان الفقه أدنى درجات العلم إذ هو عبارة عن الفهم نفى من أشبع القبيلين جهلا وهم الذين لا يتبصرون في أنفسهم، ونفى الأدنى أبشع من نفى الأعلى درجة فخص به أسوأ الفريقين حالا.. وإذا قيل: فلان «لا يفقه شيئا» كان أذم في العرف من قولك: فلان لا يعلم شيئا وكأن معنى قولك لا يفقه شيئا ليست له أهلية الفهم وإن فهم، وأما قولك «لا يعلم شيئا» فغايته نفى حصول العلم له، وقد يكون له أهلية الفهم والعلم لو يعلم» «٢» .

ثم ساق- سبحانه- حجة خامسة تدل دلالة واضحة على كمال قدرته وعلمه ورحمته وإحسانه إلى خلقه فقال- تعالى-:

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ.

أى: وهو- سبحانه- الذي أنزل من السحاب ماء فأخرجنا بسبب ذلك كل صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة في الكم والكيف والطعوم والألوان، قال- تعالى-


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٥١.
(٢) حاشية الانتصاف على تفسير الكشاف ج ٢ ص ٥ لابن المنير.

<<  <  ج: ص:  >  >>