تكرارا للأخرى. وإنما كل واحدة منهما تعالج حالة معينة.
- فهنا يقول- سبحانه- مِنْ إِمْلاقٍ أى: لا تقتلوهم بسبب الفقر الموجود فيكم أيها الآباء لذا قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فجعل الرزق للآباء ابتداء، لأن الفقر الذي يقتلون من أجله أولادهم حاصل لهم فعلا.
- وفي سورة الإسراء يقول: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ أى: خوفا من فقر ليس حاصلا، ولكنه متوقع بسبب الأولاد ولذا قال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ فقدم رزق الأولاد لأنهم سبب توقع الفقر، ليكف الآباء عن هذا التوقع، وليضمن للأولاد رزقهم ابتداء مستقلا عن رزق الآباء.
ففي كلتا الحالتين القرآن ينهى عن قتل الأولاد، ويغرس في نفوس الآباء الثقة بالله، والاعتماد عليه.
وجملة نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ تعليلية لإبطال ما اتخذوه سببا لمباشرة جريمتهم، وضمان منه- سبحانه- لأرزاقهم أى: نحن نرزق الفريقين لا أنتم وحدكم، فلا تقدموا على تلك الجريمة النكراء وهي قتل الأولاد لأن الأولاد قطعة من أبيهم، والشأن حتى في الحيوان الأعجم أنه يضحى من أجل أولاده، ويحميهم ويتحمل الصعاب في سبيلهم.
أما الوصية الرابعة فتقول: وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ الفواحش. جمع فاحشة وهي كما قال الراغب في مفرداته- ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال يقال: فحش فلان، أى صار فاحشا مرتكبا للقبائح، والمتفحش هو الذي يأتى بالفحش من القول أو الفعل، كالسرقة والزنا والنميمة وشهادة الزور.
وأنهاكم عن أن تقتربوا من الأقوال والأفعال القبيحة ما كان منها ظاهرا وما كان منها خافيا.
وقد تعلق التحريم والنهى بهذا الوصف الذي يشعر بالعلة- كما يقول علماء الأصول- فكأنه قال. إن كل قول أو فعل تستقبحه العقول فهو فاحشة يجب البعد عنها.
والمجتمع الذي يؤمن بأن هناك «فواحش» يجب أن تجتنب، و «محاسن» يجب أن تلتمس هو المجتمع الفاضل الطهور.
أما المجتمع الذي يسوى بين القبيح والحسن، ويقوم على الإباحية التي لا تفرق بين ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، فلا بد أن يكون مصيره إلى التدهور والتعاسة والمهانة.
وجملة ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل اشتمال من الفواحش.
وتعليق النهى بقربانها للمبالغة في الزجر عنها لأن قربانها قد يؤدى إلى مباشرتها، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وهذا لون حكيم من ألوان الإصلاح، لأنه إذا حصل النهى