وفي الربع الرابع منها وكذلك في أواخر الثالث، تحدثنا السورة الكريمة عن قصة نوح مع قومه، ثم عن قصة هود مع قومه، ثم عن قصة صالح مع قومه، ثم عن قصة لوط مع قومه، ثم عن قصة شعيب مع قومه. ولقد ساقت لنا خلال حديثها عن هؤلاء الأنبياء مع أقوامهم من العبر والعظات ما يهدى القلوب، ويشفى الصدور ويحمل العقلاء على الاستجابة لهدى الأنبياء والمرسلين.
أما في الربع الخامس منها فقد بينت لنا سنن الله في خلقه، ومن مظاهر هذه- السنن أنه- سبحانه- لا يعاقب قوما إلا بعد الابتلاء والاختبار، وأن الناس لو آمنوا لفتح- سبحانه- عليهم بركات من السماء والأرض وأن الذين يأمنون مكر خالقهم هم القوم الخاسرون.
قال تعالى: تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ، وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ.
ثم عقب على ذلك ببيان أن الله- تعالى- قد ساق قصص السابقين للعظة والاعتبار.
ثم أسهبت السورة في الحديث عن قصة موسى- عليه السلام- فقصت علينا في زهاء سبعين آية- استغرقت الربع السادس والسابع والثامن- ما دار بينه وبين فرعون من محاورات ومناقشات، وما حصل بينه وبين السحرة من مجادلات ومساجلات انتهت بأن قال السحرة:
آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ.
ثم حكت لنا ما لقيه موسى من قومه بنى إسرائيل من تكذيب وجهالات، مما يدل على أصالتهم في التمرد والعصيان، وعراقتهم في الكفر والطغيان.
وفي الربع التاسع منها حدثتنا عن العهد الذي أخذه الله على البشر بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم حضتنا على التفكر والتدبر في ملكوت السموات والأرض، وبينت لنا أن موعد قيام الساعة لا يعلمه سوى علام الغيوب، وأن الرسل الكرام وظيفتهم تبليغ رسالات الله، ثم هم بعد ذلك لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
أما في الربع العاشر والأخير فقد اهتمت السورة الكريمة بإقامة الأدلة على وحدانية الله، ووبخت المشركين على شركهم، ودعت الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وأمرتهم بأن يكثروا من التضرع والدعاء.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ.