وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس- في إحدى الروايات عنه- كما ذهب إليه الشعبي، وسفيان الثوري، وغيرهما من العلماء فقد أخرج ابن المنذر وغيره عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال:«إن لكل كتاب سرّا، وإن سر هذا القرآن فواتح السور» وروى عن ابن عباس أنه قال: «عجزت العلماء عن إدراكها» وعن على- رضي الله عنه- أنه قال:«إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» وفي رواية أخرى للشعبى أنه قال: «سر الله فلا تطلبوه» .
ومن الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الرأى أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس لأنه من المتشابه فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل، أو مثل ذلك كمثل التكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها.
وقد أجيب عن ذلك بأن هذه الألفاظ لم ينتف الإفهام عنها عند كل الناس فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفهم المراد منها، وكذلك بعض أصحابه المقربين. ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل بعض السور. وهناك مناقشات للعلماء حول هذا الرأى لا مجال لذكرها هنا.
أما الرأى الثاني: فيرى أصحابه أن المعنى المقصود منها معلوم، وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى:
١- أن هذه الحروف أسماء للسور، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قرأ حم السجدة، حفظ إلى أن يصبح» ، وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها، كسورة «ص» وسورة «يس» إلخ.
ولا يخلو هذا القول من الضعف، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح، فلو كانت أسماء للسور لم تتكرر لمعان مختلفة لأن الغرض من التسمية رفع الاشتباه.
وأيضا فالتسمية بها أمر عارض لا يتنافى مع المراد منها في ذاتها.
٢- وقيل إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى.
٣- وقيل إنها حروف مقطعة بعضها من أسماء الله تعالى، وبعضها من صفاته، فمثلا:
«ألم» أصلها أنا الله أعلم.
٤- وقيل إنها اسم الله الأعظم، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال، والتي أوصلها الإمام السيوطي في كتابه «الإتقان» ، إلى أكثر من عشرين قولا.