للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإقبال عليها والإيمان بها، وهو نوع من زيادة الحسرة، وقطع الآمال في النجاة بوضع يد المجرم على جسم جريمته، وهو في الوقت نفسه نوع من زيادة الأمن والطمأنينة للرسل في القيام بدعوتهم وتبليغهم ما أمروا بتبليغه، ولعل كل ذلك يرشد إليه قوله- تعالى-: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ «١» .

ثم بين- سبحانه- مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال:

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ.

الوزن: عمل يعرف به قدر الشيء، يقال: وزنته وزنا وزنة. وهو مبتدأ، ويومئذ متعلق بمحذوف خبره. والحق صفته. أى: والوزن الحق يوم القيامة.

ومعنى الآيتين الكريمتين: والوزن الحق ثابت في ذلك اليوم الذي يسأل الله فيه الرسل والمرسل إليهم. ويخبرهم جميعا بما كان منهم في الدنيا، فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان والعمل الصالح، فأولئك هم الفائزون بالثواب والنعيم، ومن خفت موازين أعماله بالكفر والمعاصي فأولئك الذين خسروا أنفسهم بسبب ما اقترفوا من سيئات أدت بهم إلى سوء العقاب.

قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ.

وقد اختلف العلماء في كيفية الوزن فقال بعضهم: إن التي توزن هي صحائف الأعمال التي كتبت فيها الحسنات والسيئات تأكيدا للحجة وإظهارا للنصفة، وقطعا للمعذرة. قال ابن عمر: توزن صحائف أعمال العباد يوم القيامة» .

وقيل: إن الوزن هنا كناية عن القضاء السوى، والعدل التام في تقدير ما يمكن به الجزاء من الأعمال، وذكر الوزن إنما هو ضرب مثل كما تقول: هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه. أى يعادله ويساويه وإن لم يكن هناك وزن.

والذي نراه أن من الواجب علينا أن نؤمن بأن في الآخرة وزنا للأعمال، وأنه على مقدار ما يظهر يكون الجزاء، وأنه وزن أو ميزان يليق بما يجرى في ذلك اليوم الهائل الشديد، أما كيفية هذا الوزن فمرده إلى الله، لأنه شيء استأثر الله بعلمه، وعلينا أن نعفي أنفسنا من محاولة الكشف عن أمر غيبي لم يرد في حقيقته خبر قاطع في كتاب الله أو سنة رسوله.


(١) تفسير القرآن الكريم ص ٢٠٤ لفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت- رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>