قل- يا محمد- لأولئك اليهود الذين ادعوا أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا: إن كانت الجنة مختصة بكم، وسالمة لكم دون غيركم، وليس لأحد سواكم فيها حق. فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وأحب الوصول إليها.
ثم أخبر الله أن هذا التمني لن يحصل منهم فقال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً أى الموت بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى بسبب ما ارتكبوه من كفر ومعصية وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الذين وضعوا الأمور في غير موضعها، فادعوا ما ليس لهم، ونفوه عمن هو لهم.
ثم أخبر القرآن بأن حرصهم على الحياة لا نظير له ولا مثيل فقال: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ متطاولة وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أى: وأحرص عليها- أيضا- من الذين أشركوا الذين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ أى يتمنى الواحد من هؤلاء اليهود أن يعيش السنين الكثيرة ولو تجاوزت الحدود المعقولة لعمر الإنسان والحال أنه ما أحد منهم بمزحزحه ومنجيه تعميره من العذاب وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أى: لا يخفى عليه أعمالهم، فهو محاسبهم عليها، ومجازيهم بما يستحقونه من عقاب.
وقوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ رد على زعمهم الباطل أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، والمراد بالدار الآخرة: الجنة ونعيمها، ومعنى «خالصة» سالمة لكم مختصة بكم، لا يشارككم فيها أحد من الناس.
قال الإمام ابن جرير:«يقال: خلص لي فلان بمعنى صار لي وحدي وصفا لي، ويقال منه خلص هذا الشيء، فهو يخلص خلوصا وخالصة، والخالصة مصدر مثل العافية..»«١» .