وقوله: توعدون. وتصدون، وتبغون هذه الجمل أحوال، أى: لا تقعدوا موعدين وصادين، وباغين، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ أى: اذكروا ذلك الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد، وكنتم في قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الإفساد فقال: وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أى: انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، كقوم لوط وقوم صالح، فسترون أنهم قد دمروا تدميرا بسبب إفسادهم في الأرض، وتكذيبهم لرسلهم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ لأن سيركم على طريقهم سيؤدي بكم إلى الدمار.
ثم نصحهم بأن يأخذوا أنفسهم بشيء من العدل وسعة الصدر، وأن يتركوا أتباعه أحرارا في عقيدتهم حتى يحكم الله بين الفريقين، فقال: وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
أى: إن كان بعضكم قد آمن بما أرسلنى الله به إليكم من التوحيد وحسن الأخلاق، وبعضكم لم يؤمن بما أرسلت به بل أصر على شركه وعناده، فتربصوا وانتظروا حتى يحكم الله بيننا وبينكم بحكمه العادل، الذي يتجلى في نصرة المؤمنين، وإهلاك الظالمين، وهو- سبحانه- خير الحاكمين.
قال صاحب الكشاف: وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم، كقوله: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ أو هو عظة للمؤمنين وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم. ويجوز أن يكون خطابا للفريقين. أى:
ليصبر المؤمنون على أذى الكفار، وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب «١» » .
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت لنا جانبا من الحجج الناصعة، والنصائح الحكيمة، والتوجيهات الرشيدة التي وجهها شعيب- خطيب الأنبياء- إلى قومه.
وارجع البصر- أيها القارئ الكريم- في هذه النصائح ترى شعيبا- عليه السلام- يأمر قومه بوحدانية الله لأنها أساس العقيدة وركن الدين الأعظم، ثم يتبع ذلك بمعالجة الجرائم التي