يا شعيب أنت والذين آمنوا معك من قريتنا بغضا لكم، ودفعا لفتنتكم المترتبة على مساكنتنا ومجاورتنا، أو لتعودن وترجعن إلى ملتنا وما نؤمن به من تقاليد ورثناها عن آبائنا ومن المستحيل علينا تركها. فعليك يا شعيب أنت ومن معك أن تختاروا لأنفسكم أحد أمرين: الإخراج من قريتنا أو العودة إلى ملتنا.
هكذا قال المترفون المغرورون لشعيب وأتباعه باستعلاء وغلظة وغضب.
وجملة قالَ الْمَلَأُ إلخ. مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنه قيل: فماذا كان رد قوم شعيب على نصائحه لهم؟ فكان الجواب: قال الملأ ... إلخ.
وقد أكدوا قولهم بالجملة القسمية للمبالغة في إفهامه أنهم مصممون على تنفيذ ما يريدونه منه ومن أتباعه.
ونسبوا الإخراج إليه أولا وإلى أتباعه ثانيا، للتنبيه على أصالته في ذلك، وأن الذين معه إنما هم تبع له، فإذا ما خرج هو كان خروج غيره أسهل.
وجملة: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا معطوفة على جملة لَنُخْرِجَنَّكَ وهي- أى جملة أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا المقصود الأعظم عندهم، فهؤلاء المستكبرون يهمهم في المقام الأول أن يعود من فارق ملتهم وديانتهم إليها ثانية.
والتعبير بقولهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا يقتضى أن شعيبا ومن معه كانوا على ملتهم ثم خرجوا منها، وهذا محال بالنسبة لشعيب- عليه السلام- فإن الأنبياء معصومون- حتى قبل النبوة- عن ارتكاب الكبائر فضلا عن الشرك.
وقد أجيب عن ذلك بأن المستكبرين قد قالوا ما قالوا من باب التغليب، لأنهم لما رأوا أن أتباعه كانوا من قبل ذلك على ملتهم ثم فارقوهم واتبعوا شعيبا، قالوا لهم: إما أن تخرجوا مع نبيكم الذي اتبعتموه وإما أن تعودوا إلى ملتنا التي سبق أن كنتم فيها، فأدرجوا شعيبا معهم في الأمر بالعودة إلى ملتهم من باب تغليبهم عليه هنا، هذا هو الجواب الذي ارتضاه كثير من العلماء وعلى رأسهم صاحب الكشاف، فقد قال: فإن قلت: كيف خاطبوا شعيبا عليه السلام- بالعود في الكفر في قولهم: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا وكيف أجابهم بقوله: إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها والأنبياء- عليهم السلام- لا يجوز عليهم من الصغائر إلا ما ليس فيه تنفير، فضلا عن الكبائر، فضلا عن الكفر؟ قلت: قالوا:
لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا فعطفوا على ضميره الذين دخلوا في الإيمان منهم بعد كفرهم قالوا: لتعودن فغلب الجماعة على الواحد، فجعلوهم عائدين جميعا، إجراء للكلام على حكم التغليب. وعلى ذلك أجرى شعيب- عليه السلام- جوابه فقال: