للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبلاء: الامتحان والاختبار ويكون بالخير والشر.

والمعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا وتشكروا الله على نعمه وقت أن أنجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم، ويستبقون نفوس نسائكم ليستخدموهن ويستذلوهن. وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان لكم لتشكروا الله على نعمه، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الإذلال في الدنيا، والعذاب في الأخرى.

وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه، مع أنه هو الآمر بتعذيب بنى إسرائيل، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا له على إذاقتهم سوء العذاب، وفي إنزال ألوان الأذلال بهم.

وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل- مع أنه في ظاهره نعمة لهم- لأن هذا الإبقاء على النساء كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن، واستعمالهن في شتى أنواع الخدمة، وإذلالهن بالاسترقاق، فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة، والطباع الحرة الأبية.

قال الامام الرازي ما ملخصه: في قتل الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:

أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال، وذلك يقضى انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا.

ثانيها: أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة.

فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها الرجال. لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد.

ثالثها: ان قتل الولد عقب الحمل الطويل، وتحمل الكد، والرجاء القوى في الانتفاع به من أعظم العذاب. فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة.

رابعا: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء. وذلك نهاية الذل والهوان «١» .

وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا الأطفال لا البالغين، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>